العربية.ما alaarabiya.ma

وثائقيان من إفريقيا .. رياح “بوكو حرام” تهب بالرصاص والدم وقمع النساء

alt=

وثائقيان من إفريقيا .. رياح “بوكو حرام” تهب بالرصاص والدم وقمع النساء

تكشف بلاغة الصورة السينمائية في الفيلم الوضع باقتصاد وكثافة. تقع النساء وأحذية الرجال خارج خيمة القرار. خارج الخيمة هناك كومة أحذية وتجمع نساء ينتظر. في الصورة الثانية توجد الأحذية في مقدمة “الكادر” والنساء في الخلفية وحولهما منطقة صحراوية. هكذا يعرض الفيلم التشادي “AMCHILINI, CHOISIS-MOI” 2023، للمخرج الشاب Kader Allamine، تجليات اقتصاد زراعي رعوي في منطقة قاحلة. يعطي الديكور الأصفر الفقير صورة مريعة لحياة البشر، يعطي صورة وليس فقط فكرة مجردة عن صعوبات العيش التي سببها الجفاف. يعاني البلد من جفاف مروع. من المسؤول؟ تغيرات المناخ أم فجور النساء؟ الذنوب تمْحق البركة.

الحل؟

يجري التداول في مصير النساء في الخيمة. النساء خارج الخيمة. سيجد الرجال الحل الصحيح للجفاف الذي يضرب المنطقة. يجب ألّا تبقى بنت عزباء في المنطقة، وليس في البلد، فلكل منطقة قانونها في ظل ضعف الدولة. يدعم الفقيه الحل. الرجال جاهزون للتضحية من أجل البنات. على كل امرأة اختيار رجل علنا في وقت قصير. هذه إهانة. لكن هذا أقل إهانة من إنجاب طفل دون زواج. هذا يجر اللعنة

والقحط. لذا على كل امرأة أن تتزوج فورا.

بعد إحصاء العازبات منحت أسبقية اختيار الرجال لبنات الأغنياء ثم تختار بنات الفقراء ما تبقى من الرجال. تختار إحداهن أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة فتذكرها الزوجة الأولى بأن من حق الرجل أربع زوجات… يعرض الوثائقي شهادات الشهود الضحايا، عن مصير لم يختاروه وسيتعايشون معه للقضاء على الفساد. رغم تزويج النساء بالإرغام لم تنتقل خضرة ألمانيا إلى حقول إفريقيا.

يمنع الفساد حصول البركة. والفساد ليس اقتصاديا أو سياسيا بل نسائيا. الزنا هو الفساد.

إليكم نفحة من رياح “بوكو حرام” التي تهب بالرصاص والدم وقمع النساء على تشاد وبوركينا فاسو من خلال فيلمين من بلدين وباقي الصحراء الكبرى. أكيد أن هذه الريح ستصل إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

كان مصدر القلق بالنسبة للنساء هو توفير الطعام وليس الزواج. في كل بيت أربعة أطفال تتولى المرأة إطعامهم. هذا بؤس لا ترصده وسائل الإعلام التي تحصي فقط نتائجه، تحصي عدد الغرقى على الشواطئ اليونانية الإيطالية وقد زاد عددهم بأكثر من الثلث في بداية 2023.

القحط يتزايد والطعام يقل والأطفال يتكاثرون في بيئة متشددة، ومع الزمن ستتمدد جماعة “بوكو حرام”… وستجد في الحرب الأهلية في السودان وقودا بشريا وجيو-استراتيجيا. كلما ضعفت الدول تقدمت العتبات الدينية والتنظيمات المتشددة والهجرة السرية المكشوفة للعين المجردة.

ممَّ يهرب المهاجرون الذين يغرقون في المتوسط؟

يعرض الفيلم الكاميروني جوابا بصريا: مبان مهدمة، سيارات محروقة أقصى شمال الكاميرون. “LE SPECTRE DE BOKO HARAM”، من إخراج Cyrielle Raingou. يعيش السكان في أكواخ تحت الحماية العسكرية. يسمع صوت الرصاص في الجبال المجاورة، وهذا وضع يحمل تهديدا دائما للطفلين اللذين يلعبان تحت الأشجار. هكذا زرعت المخرجة ديكورا عن منطقة تقول وكالات الأنباء إن 1200 شخص قتل فيها بين عامي 2013 و2016. لقد صارت الحرب جزءا من الحياة اليومية وغزت الخيال. يلعب الأطفال بالطين ويصنعون مجسمات أسلحة، يقلدون مشية الجنود.

هكذا يهدد التنظيم الديني الدولة والمجتمع ويجرفهما خلفه.

بينما يقدم الفيلم الكاميروني “داعش” عسكريا، يقدم الفيلم التشادي بنيتها الأيديولوجية، النساء هن سبب اللعنة التي تجلب القحط. بسبب هذه المواضيع فالأفلام الوثائقية جادة جدا، تسبب الكآبة لأنها تعرض حقائق مريعة من عالمنا. هنا المفارقة، فبينما يموت الآلاف من الجوع والحرب في إفريقيا، تتحدث وسائل الإعلام الشبعانة بعناوين فاقعة عن خطر الذكاء الاصطناعي مستقبلا.

بينما الميليشيات الإفريقية تسير على نهج ميليشيا فاغنر الروسية “اقتل روع واطرد”، من سيهتم بالاقتتال الداخلي في إفريقيا؟

السينمائيون الشباب المولدون تحت النار. لكن عليهم الانتباه فنيا إلى أن كل فيلم وثائقي صوّر في شهر لن يضم لقطة واحدة يظهر فيها مرور الزمن. لذلك فهو ليس فيلما بل هو ربورتاج فيه رؤوس تتكلم حتى لو دمجت فيه جمل “ومر وقت طويل” أو أضيفت له صور قديمة للإيهام بمرور الزمن في المونتاج.

عرض الفيلمان التشادي والكاميروني في قاعة سينما الصحراء بمدينة أكادير، ضمن فعاليات الدورة الرابعة عشرة من المهرجان الدولي للشريط الوثائقي في الفترة الممتدة من 5 إلى 10 يونيو 2023. قدم المهرجان طوبوغرافيا العالم من مختلف القارات، وقد ركزت دورة هذه السنة على إفريقيا.

وبسبب افتقادها لمشاهد حقيقية للحرب، بالغت المخرجة الشابة في تصوير لعب الأطفال وتقلبات الطقس ومظاهر الطبيعة، وهذا استطراد بصري لا صلة له بصلب الموضوع. لم تصور المخرجة عنوان فيلمها، لو فعلت ودخلت معاقل جماعة “بوكر حرام” لما خرجت حية، لذلك صورت حياة الأطفال تحت التهديد، بينما صوت الرصاص يتردد، يتغنى النشيد الوطني في المدرسة بالسلام، هذا هو ثمن ضعف الدولة في منطقة الساحل والصحراء. هناك حيث يواجه الناس مشاكل الزمن والتغذية ولا تعنيهم توقعات متشائمة باذخة يسوقها منظرو الذكاء الصناعي الافتراضي.

الواقع على الأرض ليس ذكيا

منذ سقوط الموصل في يد “داعش” في 2014 وزواج النكاح في سوريا، تراجعت المساحة المخصصة لأخبار التنظيمات الإرهابية على الصفحات الأولى لوسائل الإعلام. التنظيم لم ينقرض والخطر لم ينته، ولكنه نقل نشاطه إلى حيث يخرج من تحت الأضواء، وها هي أفلام قلب إفريقيا ترصده في قلبها.

حتى الآن “بوكو حرام” و”داعش” بخير عسكريا بل وأيديولوجيا، والصمت الإعلامي والفني يمنحهما الوقت ليشتغلا ويحفرا. حين تغيب قضايا التشدد في الفن وفي النقاش العمومي، يضطر جهاز الأمن ليبقى وحده في مواجهة “داعش”.

حين يكون التشدد بخير، تكون أجهزة الأمن في محنة.

المصدرمحمد بنعزيز / هسبريس
Exit mobile version