أزمور… المدينة التي يخنقها الحاجز قبل أن تعانق زوارها

17 يونيو 2025
أزمور
العربية.ما - الرباط

في الركن الغربي من المغرب، حيث يلتقي عبق التاريخ بأنين الحاضر، تنتصب مدينة أزمور شامخة بذكرياتها، متواضعة بحجمها، لكنها غنية بتراثها، متوهجة بحكاياتها التي تختبئ بين جدران القصبة، وخرائب الفن الأندلسي، وعطر النهر الذي يهمس كل صباح باسمها.

أزمور ليست مجرد مدينة، إنها أغنية قديمة نسجها الزمن على نول المحيط، قصة حب مدفونة تحت تراب النسيان، بوابة مشرعة على ذاكرة مغربية خالصة. لكن، ويا للأسف، كل من يحاول اليوم عبور هذه البوابة، يجد نفسه أمام أسلاك غير مرئية من الشك والرقابة.

المدينة التي عُرفت بانفتاحها، أصبحت تضيق على نفسها، كأنها تهاب من زائريها، أو كأن الحذر قد انتصر على حسن الظن. أربع مداخل رئيسية، كلها محروسة بعناية مفرطة، كأن الداخل إليها يحمل سرًا خطيرًا، أو نية خفية.

والزائر، الذي يأتي مشبعًا برغبة في الاكتشاف، يُستقبل بنظرات تفتيش، وأسئلة لا تنتهي، فينكسر حماسه عند العتبة، ويغادرها وفي صدره حرقة:

“لماذا ضاقت المدينة، وهي التي كانت حضنًا واسعًا للتاريخ والمارة؟”

إنها ليست دعوة لرفع الحماية، ولا لترك الحبل على الغارب، بل دعوة للتوازن.

فأزمور، هذه الزهرة المنسية على ضفة أم الربيع، بحاجة إلى أن تتنفس، أن تُفتح نوافذها للريح، أن يعود إليها الزوار لا غرباء، بل عشاقًا يعودون مرة بعد مرة، لا أن يغادروها في صمت، كما يغادر المرء مأتما لا عرسا.

كيف لمدينة تعتمد على تجارة موسمية، وعلى صيف يتيم، أن تقاوم إن لم تُفتح لها الأبواب؟

كيف لساكنتها البسيطة، التي تراهن على كل درهم يدخل من جيب زائر، أن تصمد أمام هذا الحصار البطيء؟

وهل الأمن الحقيقي يُقاس فقط بالحواجز، أم أيضًا بثقة الناس في مدنهم، في وجوه الاستقبال، وفي صدور من يسكنونها؟

أزمور لا تحتاج فقط إلى مهرجان صيفي عابر، ولا إلى صور دعائية تلمّع واجهتها، بل تحتاج إلى رؤية عميقة، تلامس جذرها الإنساني والاقتصادي.

تحتاج إلى من يحبها بحق، لا من يتحكم في أنفاسها بحجة الخوف.

أيها المسؤولون، رفقًا بأزمور.

إنها لا تطلب الكثير، فقط أن تفتحوا لها النوافذ، وتكفّوا عن إغلاق الأبواب في وجه العابرين.

فمدينة لا تُزار، تموت.

وأزمور لا تستحق أن تموت بهذه الطريقة الهادئة، والخانقة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.