أين الفن من أغاني هذا الجيل؟! بل إنني أكاد أطلق على بعض ما نسمعه اليوم “ملوثات سمعية“. من أغاني مثل “هضاضياي ماشي بحالهم“، التي يظن صاحبها أنه يتميز عن غيره من الفنانين الذين يحملون مشعل الفن الحقيقي، إلى أغاني أخرى مثل “مهبول” التي تعبّر عن تصرفات متهورة وسلوكيات غير مسؤولة. هذه الأغاني تُفسد المشهد الثقافي وتُبعد المستمع عن وقاره، كما تساهم في تكوين صورة مغلوطة عن الفن والفنان.
لقد تغيرت شخصية الفنان بشكل ملحوظ. في الماضي، كان الفن رسالة نبيلة تعكس ثقافة المجتمع وهويته، بينما اليوم يبدو أن الفنانين يعتمدون على الأرقام والمشاهدات كمعيار للنجاح.
وهنا يُطرح السؤال: ما علاقة مضمون الأغنية بلغة الأرقام؟ هل يُفترض أن تُقاس جودة العمل الفني بعدد المشاهدات والتفاعل على منصات الإنترنت؟
لا يمكن إنكار تأثير منصات التواصل الاجتماعي على الفن المعاصر، لكنها أصبحت اليوم سيفًا ذا حدين، حيث تروج للمحتوى الذي يناسب ذوق الجمهور الواسع بغض النظر عن قيمته الفنية أو الثقافية. وأمام هذا الواقع، أصبح المعيار الأساسي للنجاح هو “الانتشار السريع”، بينما يتم تهميش المضمون والرسالة التي قد تحملها بعض الأغاني.
الفن في جوهره هو وسيلة للتأثير والتغيير، ومن حق الجمهور أن يتوقع محتوى يرتقي بمستوى ذائقته الفنية. فما كان يُعتبر سابقًا علامة على الإبداع والتميز، أصبح اليوم في طي النسيان، لصالح أغاني تفتقر إلى العمق وتقتصر على إثارة الجدل أو لفت الانتباه بطرق مبتذلة.
ربما آن الأوان لإعادة النظر في مفهوم النجاح الفني، والبحث عن توازن بين الإبداع الحقيقي ومتطلبات السوق الحديثة، التي غالبًا ما تستهلك الفن بسرعة وتدفع به نحو سطحية لا تخدم جوهر الثقافة والفن.