في إطار سعيها المتواصل لتحسين إدارة الهجرة وتعزيز الاقتصاد الوطني، أعلنت إسبانيا مؤخراً عن تعزيز استراتيجيتها في مجال الهجرة الدائرية، وذلك خلال الجولة الرسمية التي قام بها رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، إلى موريتانيا وغامبيا والسنغال. هذه الاستراتيجية التي تعد واحدة من أبرز أدوات مكافحة التدفقات غير الشرعية للمهاجرين، تركز على توظيف العمال بشكل موسمي ومن ثم إعادتهم إلى بلدانهم بعد انتهاء فترة العمل. تعتبر الهجرة الدائرية أداة قانونية معترف بها منذ عام 2000، وهي تهدف إلى تحقيق توازن بين تلبية احتياجات سوق العمل في إسبانيا وضمان استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الأصلية للمهاجرين.
الهجرة الدائرية: نظرة شاملة
تعود جذور مفهوم الهجرة الدائرية إلى القانون الأساسي بشأن حقوق وحريات الأجانب في إسبانيا، الذي أقر عام 2000، حيث ينظم القانون الإدارة الجماعية للعقود في الأصل. تتضمن الهجرة الدائرية توظيف العمال الأجانب بشكل موسمي، مما يسمح لهم بالعمل في إسبانيا لمدد تتراوح بين ثلاثة إلى تسعة أشهر في السنة، على أن يعودوا إلى بلدانهم بعد انتهاء فترة العمل. وتتمثل أهمية هذه الاستراتيجية في أنها تقدم حلاً مرناً لمواجهة نقص العمالة في القطاعات المختلفة، بينما تساعد في تقليل تدفقات الهجرة غير الشرعية.
التوسع في الاتفاقيات الدولية
في عام 2024، قامت إسبانيا بتوسيع نطاق اتفاقياتها مع عدد من البلدان لتعزيز هذه الاستراتيجية. البلدان التي وقعت معها إسبانيا اتفاقيات تشمل كولومبيا، الإكوادور، المغرب، أوكرانيا، هندوراس، جمهورية الدومينيكان، وغواتيمالا، بالإضافة إلى تعاون فرعي مع غينيا، غينيا بيساو، الرأس الأخضر، السنغال، مالي، النيجر، المكسيك، السلفادور، الفلبين، باراغواي، والأرجنتين. ومع إضافة موريتانيا وغامبيا بعد الزيارة الرسمية الأخيرة لرئيس الحكومة، يهدف هذا التوسع إلى زيادة عدد العمال المهاجرين الذين يتم توظيفهم في إسبانيا، وتلبية احتياجات السوق الإسبانية بشكل أكثر فعالية.
الأرقام والدور الاقتصادي
شهدت المبادرات المتعلقة بالهجرة الدائرية ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد العمال الوافدين إلى إسبانيا، حيث تم توظيف حوالي 20,515 أجنبياً في الأصل هذا العام، مع تسجيل المغرب وكولومبيا كأبرز البلدان المصدرة للعمال المهاجرين. ومن بين هؤلاء، هناك 152 من السنغال الذين حصلوا على عقود عمل في إسبانيا. يهدف هذا التوسع في توظيف العمال إلى تحقيق زيادة مستمرة في الأعداد، مما يعكس النجاح المتزايد لهذه الاستراتيجية.
الهجرة كأداة للنمو الاقتصادي
خلال زيارته إلى موريتانيا، أكد سانشيز على أهمية الهجرة القانونية، مشدداً على أنها ليست مجرد حل لمشكلة الهجرة غير الشرعية، بل هي عنصر حيوي للنمو الاقتصادي والتنمية. واستعرض سانشيز كيف أن المهاجرين يساهمون في دعم الضمان الاجتماعي ونظام التقاعد العام في إسبانيا، مشيراً إلى أن الهجرة هي ضرورة اقتصادية تواكب التحديات المختلفة، وليست مشكلة بحد ذاتها.
وفي سياق متصل، تشير التقديرات إلى أن إسبانيا ستحتاج إلى ما بين 200 ألف إلى 250 ألف عامل مهاجر بحلول عام 2050 للحفاظ على نظام الرفاهية الوطني. وهذا يعكس كيف أن الهجرة الدائرية تعتبر جزءاً أساسياً من استراتيجية الحكومة لمواجهة التحديات الديموغرافية والاقتصادية في المستقبل.
النجاح والتحديات المستقبلية
على الرغم من النجاح المتزايد للهجرة الدائرية، تدرك الحكومة الإسبانية أن هذه الاستراتيجية وحدها لا يمكن أن تحل مشكلة الهجرة غير الشرعية بالكامل. لذلك، تواصل إسبانيا تعزيز جهودها في هذا المجال، مع التركيز على تحسين الإدارة، وزيادة التعاون الدولي، وتقديم الدعم لأصحاب العمل في استقطاب العمالة اللازمة.
وأكد وزير الشؤون الخارجية، خوسي مانويل ألباريس، أن الهجرة الدائرية هي صيغة ناجحة أثبتت فعاليتها في العديد من البلدان، وأنها تلبي احتياجات أصحاب العمل الإسبان بشكل كبير. ودعا ألباريس أصحاب العمل الذين يحتاجون إلى عمالة إلى التواصل مع وزارات الإدماج، العمل، والشؤون الخارجية للحصول على مزيد من المعلومات حول إدارة هذه البرامج.
تظهر جهود إسبانيا في تعزيز استراتيجيات الهجرة الدائرية كيف يمكن للسياسات المدروسة أن تساهم في تحقيق توازن بين تلبية احتياجات السوق واحتياجات الدول المرسلة للمهاجرين. من خلال توسيع نطاق الاتفاقيات الدولية، وزيادة أعداد العمال المهاجرين، وتعزيز الجهود الاقتصادية، وتؤكد إسبانيا على أهمية الهجرة القانونية كأداة أساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.