العربية.ما alaarabiya.ma

استقالات بالجملة: هل يفلت رؤساء الجماعات من قبضة المحاسبة القانونية؟

alt=
حجاج العربي

خلال الفترة الأخيرة، شهدت الجماعات الترابية في المغرب موجة من الاستقالات في صفوف رؤساء الجماعات، مما أثار الكثير من التساؤلات حول دوافع وأسباب هذه الظاهرة. هل يتعلق الأمر بتهرب من المسؤولية في ظل التحديات التي تواجهها هذه الجماعات؟ أم أن هناك خوفاً من المحاسبة نتيجة لاختلالات مالية وإدارية محتملة؟ هذا المقال يهدف إلى استقصاء الأسباب الكامنة وراء هذه الاستقالات، مع التركيز على الجانب القانوني المرتبط بها.

خلفيات الاستقالات الجماعية

منذ الانتخابات الجماعية الأخيرة، التي أفرزت مجالس جديدة في مختلف أنحاء المغرب، بدأت تظهر مجموعة من التحديات التي واجهت رؤساء الجماعات. البعض منهم دخل في صراعات داخلية مع أعضاء المجالس، بينما واجه آخرون انتقادات لاذعة من قبل الساكنة بسبب ضعف الأداء والتسيير. لكن ما لفت الأنظار أكثر هو أن عددًا من الاستقالات جاء بعد صدور تقارير رقابية أشارت إلى اختلالات في التدبير المالي والإداري، مما دفع البعض إلى اعتبار هذه الاستقالات بمثابة “هروب جماعي” من المحاسبة.

الأسباب المحتملة للاستقالات

هناك عدة أسباب محتملة قد تدفع رؤساء الجماعات إلى تقديم استقالاتهم:

1. الضغوط الداخلية: يعاني بعض رؤساء الجماعات من ضغوطات داخلية ناتجة عن الخلافات مع أعضاء المجالس، ما يجعلهم عاجزين عن تسيير شؤون الجماعة بفعالية.

2. الضغوط الخارجية: تتعرض الجماعات لضغوط متزايدة من طرف المجتمع المدني والإعلام، لا سيما بعد صدور تقارير رقابية تشير إلى وجود اختلالات في التسيير المالي والإداري.

3. الخوف من المحاسبة: بعض الاستقالات جاءت بعد تسريب تقارير تشير إلى وجود فساد أو سوء تدبير، ما يدفع الرؤساء إلى الاستقالة تفادياً للمساءلة القانونية.

4. التهرب من المسؤولية: في بعض الحالات، يمكن أن يكون السبب وراء الاستقالة هو العجز عن مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها الجماعات، وبالتالي اختيار الانسحاب كحل أسهل.

الإطار القانوني للاستقالات

وفقًا للميثاق الجماعي المغربي، فإن استقالة رؤساء الجماعات الترابية تخضع لمجموعة من الإجراءات القانونية التي تضمن استمرارية سير العمل داخل الجماعة. تنص المادة 62 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات على أن الاستقالة تقدم إلى عامل الإقليم الذي تتبعه الجماعة. وتصبح الاستقالة نافذة بعد مرور 15 يوماً من تاريخ تقديمها، ما لم يسحب الرئيس استقالته قبل نهاية هذه المدة.

وبعد قبول الاستقالة، يُعتبر الرئيس مستقيلًا بحكم القانون ويُصدر العامل قرارًا يعاين فيه هذا الانقطاع. ويتبع ذلك حلاً تلقائيًا للمكتب المسير للجماعة، ويكون العامل ملزمًا بدعوة المجلس لانتخاب مكتب جديد داخل أجل لا يتجاوز 15 يومًا من تاريخ معاينة الاستقالة.

هذا الإجراء يهدف إلى منع حدوث فراغ مؤسسي في تسيير شؤون الجماعة، ويضمن استمرارية العمل الإداري والخدمات المقدمة للمواطنين. كما أنه يضع حداً لأي محاولة للتهرب من المسؤولية، إذ إن استقالة الرئيس لا تعفيه من المتابعة القانونية إذا ثبت تورطه في فساد أو سوء تدبير.

المحاسبة القانونية والمساءلة

من الناحية القانونية، فإن استقالة رئيس الجماعة لا تعني بالضرورة إغلاق باب المحاسبة. فالقانون المغربي يتيح للسلطات الرقابية، بما في ذلك المجلس الأعلى للحسابات، متابعة الملفات المالية والإدارية حتى بعد استقالة المسؤول. وقد يتعرض الرئيس المستقيل للمساءلة القضائية إذا ما تبين تورطه في تجاوزات أو مخالفات قانونية.

وقد تم تسجيل حالات عديدة تم فيها متابعة رؤساء جماعات بعد استقالتهم، خاصة بعد صدور تقارير رقابية تثبت وجود اختلالات مالية أو إدارية. هذه المتابعات تأتي في إطار تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن العام.

تأثير الاستقالات على العمل الجماعي

لا شك أن موجة الاستقالات تؤثر سلبًا على سير العمل الجماعي، حيث قد يؤدي غياب الاستقرار القيادي إلى تأخر المشاريع وتعثر الخدمات المقدمة للمواطنين. لكن من جهة أخرى، يمكن أن تفتح هذه الاستقالات الباب أمام تجديد القيادة الجماعية وإعطاء فرصة لشخصيات جديدة قادرة على تحقيق التغيير المطلوب.

تطرح موجة الاستقالات في صفوف رؤساء الجماعات الترابية بالمغرب العديد من التساؤلات حول مدى جدية هؤلاء المسؤولين في تحمل المسؤولية وخدمة الصالح العام. فبين من يرى فيها تهربًا من المسؤولية وخوفًا من المحاسبة، وبين من يعتبرها نتيجة للضغوط الكبيرة التي تواجهها الجماعات، يبقى الأكيد أن القانون المغربي يوفر الإطار اللازم لضمان استمرارية العمل الجماعي ومحاسبة أي مسؤول يثبت تورطه في تجاوزات قانونية.

لذلك، يتعين على المجتمع المدني ووسائل الإعلام مواصلة دورهم الرقابي لضمان أن تكون الاستقالات فرصة للتغيير الإيجابي، وليس مجرد وسيلة للتهرب من المسؤولية.

Exit mobile version