إن الارتفاع المقلق لحوادث الاعتداء الجنسي على القاصرين بالمغرب يضعنا أمام السؤال الجوهري حول من يتحمل المسؤولية في حماية الأطفال من التحرش والاعتداء الجنسي، هل هي الأسرة التي تواكب وتعيش مع الطفل في مراحل حياته الأولى؟ أم المؤسسات التربوية والاجتماعية التي من واجبها حماية النشء من هذا الانحراف ومتابعتهم حتى بلوغ مرحلة النضج؟
فما نشهده اليوم من ارتفاع في نسب الاعتداءات الجنسية في حق الطفولة أمر مؤلم ومؤسف، وتفشي هذه الظاهرة في المجتمع المغربي يكشف عن وجود وحوش آدمية يجب أن تتخذ في حقها أقصى العقوبات، مع التأكيد على ضرورة تدخل الدولة بالإضافة إلى جميع المؤسسات التابعة لها من أجل توفير الحماية اللازمة لهؤلاء الأطفال.
ورغم توعد وزير العدل المغربي بتنزيل أشد العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد في حق مغتصبي الأطفال، إلا أن هذه الجرائم ما زالت في تزايد مستمر وسط قلق الأسر المغربية،.
وهنا يأتي السؤال حول مدى تحمل الأسرة مسؤولية تعرض أبنائها لمثل هذه الجرائم وتأثيرها السلبي على المجتمع، مع التأكيد على دور التنشئة الاجتماعية باعتبارها مسؤولية الجميع بدءا من الأسرة والمؤسسات التربوية والشارع والإعلام.
من جانبه، فإن الجسم الحقوقي بالمغرب، بكافة أطيافه، يضع هذه الظاهرة الإجرامية ضمن أولوياته، وما فتئ يطالب بضرورة اعتماد مقاربة شمولية تدمج الأبعاد التربوية والحقوقية والنفسية والإعلامية تجاه الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية، إضافة إلى دعم كل المبادرات التي يقوم بها مختلف الناشطين في مسار التنشئة الاجتماعية، مع التأكيد على أهمية تعميق البحث في حوادث الاعتداء بأسبابها وظروفها واتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لتطبيق مقتضيات الدستور والقانون الملائم لخطورة الأفعال تجاه الطفولة البريئة.
ومع أهمية القوانين والتشريعات المتوفرة التي تحمي القاصرين من الاغتصاب والاستغلال بكل أشكاله، إلا أن ذلك غير كاف ولا يعادل الحماية والدفء والتربية التي تقدمها الأسرة لأفرادها، فالقانون يتدخل حين تسوء الأمور وتقع حوادث الاعتداء، وفي كثير من الأحيان تبقى الجرائم المرتكبة في حق الأطفال في طي الكتمان، أما الأسرة فلها دور استباقي لوقوع جرائم الاغتصاب.
وخلاصة القول، إن حماية الطفل هي مسؤولية الأسرة، وإذا لم تقم بأدوارها فسيكون أطفالها عرضة للانتهاكات من طرف وحوش آدمية، فحينما تتخلى الأسرة عن حماية أطفالها فإن ذلك يحولهم إلى لقمة سائغة في أفواه المجرمين والمغتصبين.
هذا مع التأكيد على أهمية إطلاق حملات توعية شاملة لتثقيف المجتمع والآباء والمعلمين والأطفال حول التعرف على حالات الإساءة المحتملة والإبلاغ عنها، وتطبيق آليات إبلاغ ذات شفافية، تمكن الحاضرين والموظفين وأولياء الأمور من الإبلاغ عن أي سلوك مشبوه أو ضار دون الخوف من العقاب.
كما ندعو السلطات القضائية، التي تعتبر أحد الركائز الأساسية لحماية الطفولة، إلى عدم التساهل أو التسامح في جرائم اغتصاب الأطفال، نظرا إلى خطورتها وآثارها الجسدية والنفسية على الضحايا، إذ تبقى لصيقة بهم مدى الحياة، مع الدعوة في الوقت نفسه إلى إعادة النظر في التشريع الجنائي لتشديد العقوبات في مثل هذا النوع من الجرائم، وتفعيل آليات حماية الأطفال ومواكبتهم الطبية والنفسية في حالة الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب.