العربية.ما alaarabiya.ma

الانتخابات الجزائرية: بين هيمنة الجيش وعزوف الشعب

alt=
العربية.ما - العربي حجاج

شكلت الانتخابات في الجزائر، وعلى مر العقود، محطّ اهتمام داخلي وخارجي، وسط تساؤلات مستمرة حول نزاهتها ومدى انعكاسها على تطلعات الشعب الجزائري. وفي السنوات الأخيرة، ومع التغييرات السياسية التي شهدتها البلاد، تصاعد الجدل حول العملية الانتخابية في ظل مشهد سياسي يسيطر عليه الجيش ومؤسسات الدولة، مما أدى إلى عزوف فئات كبيرة من الشعب عن المشاركة في الانتخابات.

هذا المقال يسعى إلى الغوص في أعماق المشهد الانتخابي الجزائري، لفهم أسباب الهيمنة العسكرية على الحياة السياسية، والوقوف على أسباب عزوف الشعب، ودراسة تأثير ذلك على المستقبل الديمقراطي للبلاد.

 الجيش والانتخابات: السيطرة من وراء الستار

لطالما كانت المؤسسة العسكرية في الجزائر تلعب دورًا مركزيًا في السياسة منذ استقلال البلاد عام 1962. فبعد الاستقلال، تبنت الجزائر نظام الحزب الواحد، حيث ظل الجيش هو الضامن الرئيسي للنظام السياسي واستمر في التأثير الكبير على قرارات الحكومة وتعيين الرؤساء.

وعلى الرغم من التحول إلى التعددية الحزبية بعد أحداث أكتوبر 1988 وما تبعها من تعديلات دستورية، بقي الجيش القوة غير المرئية التي تسيطر على المشهد السياسي. حيث في كل مرة تجرى فيها انتخابات، سواء كانت رئاسية أوبرلمانية، تجد المؤسسة العسكرية نفسها في قلب النقاشات حول من يدير البلاد فعليًا. ويظهر ذلك بوضوح من خلال دور الجيش في تعيين شخصيات سياسية بارزة، مثل الرئيس عبد المجيد تبون الذي يعتبره البعض مرشحًا مفضلاً للنظام العسكري.

 تبون والشرعية الانتخابية: رئيسٌ بلا تأييد شعبي؟

في الانتخابات الرئاسية لعام 2019 التي جاءت بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كان تبون المرشح الذي حصل على الدعم الأكبر من المؤسسة العسكرية، وهو ما أثار حفيظة الكثير من الجزائريين. ففي تلك الانتخابات التي وصفت بأنها “محسومة مسبقًا”، شهدت عزوفًا جماهيريًا كبيرًا، حيث كانت نسبة المشاركة منخفضة جدًا، وهو مؤشر قوي على فقدان الثقة في النظام الانتخابي وفي قدرته على تحقيق تغيير حقيقي.

عبد المجيد تبون، الذي تقلد السلطة في ظروف خاصة وبعد حركة شعبية كبيرة أطاحت بالنظام السابق، يواجه تحديًا كبيرًا في إثبات شرعيته أمام شعب متشكك في جدوى الانتخابات. والكثير من المراقبين يرون أن فترته الأولى لم تأتِ بأي تغييرات جوهرية، مما زاد من حالة الاستياء الشعبي.

نسبة المشاركة: الجيش والرُحّل في المقدمة

في الانتخابات الأخيرة، أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، أن نسبة مشاركة الجيش والرُحّل بلغت 90%، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً مع النسبة العامة التي لم تتجاوز الـ16.18% في مراكز الاقتراع خارج الوطن. وهذه الأرقام تثير التساؤلات حول مدى تمثيلية هذه الانتخابات لإرادة الشعب، حيث إن النسبة العالية للمشاركة من قبل الجيش والرُحّل تُعتبر من قبل البعض محاولة لإظهار دعم مزيف للانتخابات وشرعيتها، في وقت كانت فيه غالبية الشعب ترفض المشاركة.

الرُحّل، الذين يمثلون شريحة صغيرة من المجتمع الجزائري، تمثل مشاركتهم الكبيرة دليلاً آخرا على ضعف الحضور الشعبي الحقيقي في الانتخابات. بينما في مناطق أخرى من البلاد، كان العزوف عن التصويت سمة بارزة، ما يعكس شعور المواطنين باليأس من قدرة العملية الانتخابية على إحداث تغيير حقيقي.

 عزوف الشعب: الأسباب والتداعيات

عزوف المواطنين عن الانتخابات لم يكن نتيجة صدفة، بل هو نتيجة تراكم سنوات من الإحباط والفساد والتضييق على الحريات. حيث أن المواطن الجزائري العادي يرى أن الانتخابات لم تعد وسيلة للتغيير، بل هي مجرد واجهة شكلية لتكريس الهيمنة السياسية القائمة. 

من بين الأسباب الرئيسية للعزوف:

1.فقدان الثقة في النظام السياسي: يعتقد الكثير من الجزائريين أن الانتخابات تُجرى في سياق محدد مسبقًا وأن النتائج غالبًا ما تكون محسومة لصالح شخصيات محسوبة على النظام، وهو ما يقلل من دافع المشاركة.

2.غياب البدائل السياسية الجدية: رغم التعددية الحزبية، يرى الكثيرون أن الأحزاب المعارضة لم تتمكن من تقديم بدائل قوية أوقادرة على المنافسة، وهو ما يعزز الشعور بالعجز أمام المؤسسة الحاكمة.

3.الأزمة الاقتصادية والاجتماعية: الجزائر، مثل العديد من الدول الأخرى، تعاني من أزمات اقتصادية حادة، مع ارتفاع نسب البطالة والفقر. وفي هذا السياق، يعتبر الكثيرون أن الانتخابات لن تكون الحل لهذه الأزمات.

4.قمع الحريات وحراك الشعب: الحراك الشعبي الذي بدأ في 2019 وأطاح ببوتفليقة، كان تعبيرًا عن رفض الشعب للنظام السياسي القائم. وعلى الرغم من توقف الحراك جزئيًا، إلا أن روحه ما تزال حية في الشارع الجزائري، ما يعزز الشعور بأن أي انتخابات تحت سيطرة النظام الحالي لن تأتي بجديد.

 ما بعد الانتخابات: ماذا ينتظر الجزائر؟

مستقبل الجزائر يبدو غامضًا في ظل الظروف الحالية. رغم ان النظام السياسي يواصل سعيه لتقديم صورة ديمقراطية، لكن في الواقع، يبدو أن الشعب فقد الثقة في هذه العملية. وإذا استمر هذا العزوف الشعبي، فإن الجزائر قد تدخل مرحلة من الجمود السياسي، حيث لا يوجد توافق بين الشعب والنظام على أسس مشتركة للمستقبل.

ويبقى التحدي الأكبر هو كيفية إعادة بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها. وهذا يتطلب تغييرات جذرية في السياسات ونهج الحكم، بالإضافة إلى تعزيز الحوار الوطني الحقيقي الذي يشمل جميع الأطراف.

وتبعا لذلك، فالانتخابات الجزائرية باتت مرآة تعكس الصراع بين رغبة المؤسسة العسكرية في الحفاظ على نفوذها، ورغبة الشعب في التغيير الحقيقي. ومع استمرار العزوف الشعبي والهيمنة العسكرية، تبدو الديمقراطية في الجزائر مجرد حلم بعيد المنال. ما لم يحدث تغيير جذري في النظام السياسي ومؤسساته، وقد يبقى الأمل في بناء جزائر ديمقراطية ومزدهرة مؤجلاً إلى أجل غير مسمى.

المصدرالعربية.ما
Exit mobile version