في السنوات الأخيرة، تحول العالم من نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب، إلى نظام متعدد الأقطاب يبرز فيه تحالفات جديدة، على رأسها مجموعة “البريكس”. ومع إعلان انضمام دول جديدة إلى هذا التحالف، بما في ذلك السعودية، مصر، الإمارات، وإيران، ثار نقاش عالمي حول ما إذا كانت هذه المجموعة ستظل اقتصادية بالأساس أم أنها بصدد التحول إلى تحالف جيوسياسي منافس لحلف “الناتو”.
البداية: “البريكس” كفكرة اقتصادية
عندما تم صياغة مصطلح “البريكس” في عام 2001 من قبل جيم أونيل، الاقتصادي في بنك غولدمان ساكس، كانت الفكرة هي تسليط الضوء على الدول التي من المتوقع أن تلعب دورًا اقتصاديًا متزايد الأهمية في المستقبل. تلك الدول –البرازيل، وروسيا، والهند، والصين– كانت تُعتبر قوى اقتصادية صاعدة تمتلك القدرة على منافسة الغرب. وفي عام 2010، انضمت جنوب أفريقيا، مما أضاف بعدًا جيوسياسيًا للقارة الأفريقية.
ولكن بعد مرور أكثر من عقد على تأسيسها، تحولت “البريكس” من مجرد تكتل اقتصادي إلى محور عالمي يجمع دولًا تسعى للابتعاد عن الهيمنة الغربية التي تمثلها الولايات المتحدة وأوروبا. ومؤخرًا، شهدت المجموعة توسعًا لتشمل دولًا مثل السعودية والإمارات، مما يعزز دورها كقوة عالمية.
التوسيع الأخير: بريكس+ وتحول التوازن العالمي
جاء التوسيع الأخير للمجموعة خلال قمة استراتيجية عُقدت في سانت بطرسبرغ بروسيا. بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين، مما يعكس الأهمية المتزايدة لهذا التحالف. إلى جانب انضمام دول مثل السعودية وإيران الذي يعزز البعد الجيوسياسي للمجموعة، حيث أن هذه الدول تلعب أدوارًا رئيسية في أسواق النفط والطاقة العالمية.
ولكن ما يقلق المراقبين هو أن التوسيع لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى التعاون العسكري والتقني. وتساءل العديد من المحللين: هل نحن أمام بداية تحالف عسكري يهدف إلى مواجهة الغرب، أم أن “البريكس” ستظل تكتلًا اقتصاديًا بحتًا؟ وهذا السؤال أصبح أكثر إلحاحًا بعد المناورات العسكرية المشتركة التي أجرتها الصين ومصر، وكذلك التعاون الدفاعي بين إيران وروسيا.
البريكس ككارتل للمعادن والطاقة: التحكم بمستقبل الطاقة والتكنولوجيا
واحدة من أهم النقاط التي أثارها المحللون هي أن تحالف “البريكس+” يمتلك قوة هائلة فيما يتعلق بالموارد الطبيعية. فدول مثل روسيا، البرازيل، وجنوب أفريقيا تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن الضرورية للصناعات التكنولوجية والحربية الحديثة. إضافة إلى ذلك، تسعى السعودية إلى تطوير قطاع التعدين لديها، مما يعزز من قدرتها على التأثير في أسواق المعادن العالمية.
علاوة على ذلك، إذا انضمت دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وتشيلي إلى المجموعة، فإن ذلك سيمنح “البريكس+” سيطرة على موارد أساسية مثل الكوبالت والنحاس والليثيوم، وهي مواد ضرورية لصناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة. وهذا يجعل المجموعة قوة ليس فقط في الطاقة الأحفورية مثل النفط، بل أيضًا في مستقبل الطاقة النظيفة.
المخاوف الغربية: تحالف عسكري جديد؟
في الأوساط الغربية، وخاصة في “الناتو”، هناك قلق متزايد من أن “البريكس+” قد يتحول إلى تحالف عسكري فعلي، وليس مجرد تكتل اقتصادي. فالتعاون العسكري بين أعضاء المجموعة بات واضحًا، بدءًا من المناورات المشتركة وحتى الصفقات العسكرية المتزايدة. فالصين، على سبيل المثال، تشارك بانتظام في مناورات عسكرية مع روسيا، وكذلك مع دول أخرى مثل بيلاروسيا، مما يعزز من قدرتها العسكرية ويمنحها خبرة في مجالات مثل الدفاعات الجوية والحرب الإلكترونية.
كما أن البعض في “الناتو” لا يزال يستهين بفكرة أن “البريكس+” يمكن أن يشكل تحديًا عسكريًا مباشرًا. ولكن بالنظر إلى الموارد الضخمة التي يمتلكها هذا التحالف، بدءًا من المعادن الحيوية وصولًا إلى التكنولوجيا العسكرية، فإن هناك قلقًا متزايدًا من أن يصبح التحالف قادرًا على تحقيق توازن استراتيجي مع الغرب.
الاقتصاد مقابل الجيوسياسة: هل يمكن “لبريكس+” كسر الهيمنة الغربية؟
الهيمنة الغربية منذ الحرب العالمية الثانية تعتمد على سيطرة المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك على التحالفات العسكرية مثل “الناتو”. ولكن “البريكس+” يقدم نموذجًا مختلفًا، حيث ترفض دوله النظام القائم وتطالب بإعادة تشكيل النظام العالمي ليكون أكثر توازنًا. التركيز على الهند والمحيط الهادئ بدلاً من الأطلسي يعكس هذا التحول في الأولويات العالمية.
ويعتبر البعض أن التحدي الأكبر الذي يواجهه “البريكس+” هو تعزيز الروابط بين أعضائه المختلفين. فالتعاون بين الصين وروسيا على سبيل المثال قد يبدو قويًا الآن، ولكن هناك العديد من التحديات التي قد تواجههما في المستقبل، خاصة إذا بدأت العقوبات الغربية تؤثر بفعالية على اقتصاداتها.
المستقبل: بريكس+ والتحولات العالمية
وتبعا لما سبق ذكره، يمثل توسيع “البريكس” إلى “بريكس+” تحولًا كبيرًا في الجغرافيا السياسية والاقتصادية العالمية. على الرغم من أن التكتل يظل في الأساس اقتصاديًا، إلا أن الطموحات الجيوسياسية والعسكرية لأعضائه أصبحت واضحة بشكل متزايد. وتبعا لهذا الوضع تفرض أسئلة رئيسية طرح نفسها الآن وهي: هل يستطيع “البريكس+” أن يصبح قوة عالمية قادرة على مواجهة الغرب؟ وهل يمكنه تجاوز التحديات الداخلية والخارجية ليصبح تحالفًا قويًا ومستدامًا؟. فالشيء الوحيد المؤكد هو أن “البريكس+” يملك الإمكانيات لتغيير قواعد اللعبة العالمية، ولكن الطريق لا يزال طويلًا ومليئًا بالتحديات.