التنمر المدرسي.. ظاهرة مقلقة تزرع الخوف في نفوس الأطفال
التنمر في الوسط المدرسي لم يعد مجرد سلوك عابر أو نزاع بين التلاميذ، بل تحول إلى ظاهرة مقلقة تزرع الخوف في نفوس الأطفال وتمزق نسيج الحياة التربوية. هو عنف صامت يتسلل بين جدران المؤسسات التعليمية، يخلف آثارا نفسية عميقة قد تلازم الضحايا مدى الحياة.
الأسباب التي تغذي هذه الظاهرة متعددة؛ منها غياب التواصل داخل الأسرة، والتأثر بالمحيط الاجتماعي والإعلامي، إضافة إلى ضعف آليات المراقبة والتأطير داخل المدارس. بعض التلاميذ يمارسون التنمر كوسيلة لإثبات الذات أو لإخفاء شعورهم بالنقص، في حين يجد آخرون في الصمت والهروب الملاذ الوحيد لمواجهة المعاناة.
النتائج كارثية على المستويات كافة. فالطفل المتنمر عليه قد يفقد ثقته بنفسه، ويعاني من القلق والاكتئاب، ما يؤثر على تحصيله الدراسي ويدفعه أحيانا إلى الانقطاع عن الدراسة. وفي حالات أكثر مأساوية، قد يقوده الضغط النفسي إلى التفكير في إيذاء نفسه أو غيره. أما على المدى البعيد، فإن المجتمع بأكمله يدفع ثمن نشوء جيل مثقل بالجراح الداخلية وغير قادر على المساهمة بشكل إيجابي في التنمية.
ولعل القصص الواقعية تكشف حجم المأساة. تلميذة في الثالثة إعدادي روت أنها كانت تتعرض للسخرية اليومية بسبب مظهرها الجسدي، الأمر الذي جعلها تنعزل عن زميلاتها وتفكر في ترك الدراسة نهائيا. في حالة أخرى، اضطر تلميذ في الابتدائي إلى تغيير مدرسته بعد تعرضه المتكرر للضرب والشتم من زملائه، وهو اليوم يعاني من توتر دائم وخوف مبالغ فيه من مخالطة الآخرين. وهناك أيضا أم تلميذ حكت بحرقة كيف تحوّل ابنها من طفل مرح ومتفوق إلى صامت منطوٍ بعد شهور من الإهانات والتهديدات داخل الفصل، مؤكدة أنها لم تدرك خطورة الوضع إلا حين بدأ ابنها يرفض الذهاب إلى المدرسة.
المعالجات تبدأ بالاعتراف بخطورة التنمر والتعامل معه كقضية تربوية وأمنية واجتماعية في آن واحد. على الأسرة أن تكون حضنا آمنا يفتح أبواب الحوار مع الأبناء ويمنحهم الثقة والدعم. وعلى المدرسة أن تضع برامج وقائية وتربوية صارمة، تشمل التوعية، وتكوين الأطر التربوية في كيفية رصد ومعالجة حالات التنمر، وتفعيل العقوبات التربوية الرادعة. كما أن دور الإعلام والمجتمع المدني أساسي في نشر ثقافة الاحترام والتسامح، وتقديم قدوات إيجابية للأطفال.
التنمر ليس قدرا محتوما، بل سلوك يمكن محاصرته متى اجتمعت الإرادة الصادقة من جميع الأطراف. حماية التلميذ اليوم هي حماية لمستقبل الوطن غدا، وكل تهاون في مواجهة هذه الظاهرة يترك ندوبا غائرة في نفوس أجيال بأكملها.