في تطور دراماتيكي يشير إلى تعمق الأزمات السياسية والقانونية في تونس، أعادت السلطات التونسية توقيف المرشح الرئاسي العياشي الزمال بعد دقائق فقط من إطلاق سراحه، وذلك في إطار قضية تزوير التزكيات الشعبية التي أصبحت محور جدل واسع في البلاد. ويأتي هذا التطور وسط توترات متصاعدة بين القضاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ما يثير تساؤلات حول شرعية الانتخابات الرئاسية المقبلة والمخاوف المتزايدة من تراجع الديمقراطية في تونس.
سياق القضية وملابسات التوقيف
كان العياشي الزمال، واحدًا من ثلاثة مرشحين رئيسيين الذين سمحت لهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بخوض السباق الرئاسي، إلى جانب الرئيس الحالي قيس سعيد وزهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب. إلا أن السلطات ألقت القبض على الزمال في وقت سابق بتهمة تزوير تزكيات شعبية، وهو اتهام نفاه المرشح بشدة واعتبره جزءًا من حملة سياسية تهدف إلى إبعاده عن المنافسة الرئاسية.
وبعد الإفراج عنه لفترة وجيزة يوم أمس (الخميس 5 شتنبر 2024)، نُقل الزمال مرة أخرى إلى منطقة وادي مليز بولاية جندوبة بناءً على طلب من القضاء، حيث قادت سيارة تابعة للحرس الوطني عملية التوقيف. واعتبرت حملة الزمال هذا الإجراء “اختطافًا” وصرح مهدي عبدالجواد، أحد أعضاء الحملة، أن “فرقة من الحرس الوطني اقتادت المرشح إلى مكان مجهول”. حيث يأتي هذا في وقت يشهد فيه المشهد السياسي في تونس حالة من الشد والجذب بين القوى السياسية والقضائية.
خلاف بين القضاء وهيئة الانتخابات
الخلاف بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية بدأ يتفاقم بعد رفض الهيئة تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية التي تقضي بإعادة ثلاثة مرشحين بارزين إلى السباق الرئاسي. هذه الأحكام التي صدرت يوم الاثنين أثارت انتقادات واسعة من مختلف الأطياف السياسية والقانونية في البلاد، حيث وصف العديد من أساتذة القانون وعمداء كليات الحقوق التونسية قرار الهيئة بأنه تهديد لمصداقية الانتخابات وشرعيتها. وحذر هؤلاء في بيان رسمي من أن تجاهل قرارات المحكمة قد يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام الانتخابي التونسي برمته.
موقف المرشح الزمال وتداعيات توقيفه
المرشح العياشي الزمال، الذي يتوقع أن يحظى بدعم قوي من الأحزاب المعارضة لحكم قيس سعيد، أكد في تصريحات سابقة أنه يواجه “قيودًا وترهيبًا” نتيجة كونه منافسًا قويًا في السباق الرئاسي. ويبدو أن اعتقاله وإعادة توقيفه تعكس توترات أعمق في المشهد السياسي التونسي، حيث تزداد المخاوف من تأثير المال الأجنبي وشبكات الفساد على العملية السياسية.
وقد تعهد الزمال في حملته بإعادة بناء الديمقراطية التونسية وضمان الحريات، مشددًا على ضرورة إصلاح الاقتصاد المتدهور ووضع سياسات تستجيب لتطلعات جميع المواطنين التونسيين.
انتقادات دولية وتصاعد الضغوط
لم يقتصر الجدل حول الانتخابات الرئاسية التونسية على المستوى المحلي فقط، بل امتد ليشمل المجتمع الدولي أيضًا. فقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من الإجراءات التي تتخذها السلطات التونسية مؤخرًا، معتبرًا أنها تتعارض مع قيم الديمقراطية وسيادة القانون. ووصفت الدبلوماسية الأوروبية توقيف الزمال واستبعاد ثلاثة مرشحين آخرين بأنه “تقييد للفضاء الديمقراطي” في تونس.
كما تأتي هذه الانتقادات في وقت يسعى فيه الرئيس قيس سعيد لتعزيز قبضته على السلطة بعد أن استحوذ على الصلاحيات التنفيذية والتشريعية منذ 2021، مما أثار قلقًا متزايدًا بين القوى السياسية المحلية والدولية على حد سواء. وكان سعيد قد وصف هذه الإجراءات بأنها محاولة لإنقاذ البلاد من “العشرية السوداء” التي شهدت تحالفات بين الإسلاميين وشبكات الفساد.
مستقبل الديمقراطية في تونس
يبقى مستقبل الديمقراطية في تونس غير واضح في ظل التوترات الحالية. وبينما يستعد التونسيون لخوض انتخابات من المقرر إجراؤها في أكتوبر 2024، يزداد الشك في نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها. التوترات بين القضاء والهيئة المستقلة للانتخابات، ورفض الأخيرة تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة السياسية وتعميق الانقسامات داخل البلاد.
من جهة أخرى، تتزايد الانتقادات الدولية، حيث حذر الاتحاد الأوروبي من أن الانتخابات قد تفقد شرعيتها إذا استمرت السلطات في تجاهل المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون. وفي المقابل، يبدو أن قيس سعيد ماضٍ في سياساته، مصرًا على “تطهير” الحياة السياسية من الفساد.
في الختام، تعكس قضية توقيف العياشي الزمال بوضوح عمق الأزمة السياسية التي تمر بها تونس، وهي أزمة تتجاوز مجرد المنافسة الانتخابية لتشكل تهديدًا أكبر لمستقبل الديمقراطية في البلاد. تظل الأسئلة مفتوحة حول قدرة تونس على الحفاظ على مكتسبات ثورة 2011، في ظل توترات سياسية وقانونية تهدد بإعادة البلاد إلى مربع عدم الاستقرار؟.