على مدى عقود، ظلت قضية الصحراء المغربية محور خلافات سياسية بين المغرب والجزائر، إذ تسعى الأخيرة جاهدة إلى إطالة أمد النزاع، رغم التحولات الدولية التي أصبحت تتعاطى مع الموضوع من منطلق مختلف، يفضل الحلول السلمية والسياسية القائمة على التوافق.
في ظل هذا الواقع، بات المغرب يحظى بدعم واسع على الساحة الدولية، خاصة فيما يتعلق بمقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه كحل واقعي ونهائي للصراع.
ومؤخراً، شهدت محاولات الجزائر لإثارة موضوع الصحراء المغربية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، انتكاسة جديدة، بعد أن جددت أغلبية الدول الأعضاء دعمها لموقف المغرب في مواجهة المساعي الجزائرية. وتأتي هذه المحاولات كجزء من سلسلة من التحركات الفاشلة التي تكشف تخبط الدبلوماسية الجزائرية وسعيها المستمر لإقحام القضية في محافل دولية لا تختص بالنزاع.
فشل الجزائر المتكرر في مجلس حقوق الإنسان
لم تكن هذه المرة الأولى التي تحاول فيها الجزائر استغلال مجلس حقوق الإنسان لإثارة قضية الصحراء المغربية، إذ سبق لها أن حاولت إقحام الملف في دورات سابقة بطرق مشابهة. وتسعى الجزائر بشكل مستمر إلى المساواة بين قضية الصحراء المغربية والنزاعات الدولية الأخرى، وأبرزها القضية الفلسطينية، محاولةً كسب تعاطف الدول التي تدعم حقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، فشلت هذه المحاولات في تحقيق أي اختراق دبلوماسي، خاصة مع تزايد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
فالدعم الواسع الذي تلقاه المغرب في مجلس حقوق الإنسان كشف عن عزلة الجزائر الدبلوماسية في هذا السياق. ووفقًا لتصريحات السفير المغربي عمر زنيبر، الذي يمثل المغرب لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، فقد اعتذر العديد من الدبلوماسيين، بمن فيهم السفير الفلسطيني، عن مشاركتهم في نشاط موازٍ نظمته الجزائر على هامش المجلس، بعد أن تبين لهم حجم التلاعب الجزائري بالمعلومات.
مقترح الحكم الذاتي: الحل الواقعي لإنهاء النزاع
حظي مقترح المغرب بشأن الحكم الذاتي في الصحراء المغربية بدعم كبير على المستوى الدولي، حيث بات المجتمع الدولي ينظر إليه كحل جاد وذو مصداقية لإنهاء هذا النزاع. وقد أشاد مجلس الأمن، في قراراته الأخيرة، بمبادرة المغرب، مشيرًا إلى أن الحل يجب أن يكون سياسيًا وواقعيًا ومستدامًا. والقرار 2703 الصادر في أكتوبر 2023 هو آخر دليل على اعتراف المجتمع الدولي بأولوية المبادرة المغربية، وهو موقف تبنته العديد من الدول في مجلس حقوق الإنسان.
هذا التأييد الدولي يعزز القناعة بأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإغلاق هذا الملف. ويشكل الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب الخيار الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق في ظل الظروف الحالية، وهو ما ترفض الجزائر الإقرار به، مدفوعة برغبتها في دعم البوليساريو وتأييدها لانفصال الإقليم.
الجزائر والبوليساريو: دعم لا شرعي لنزاع مفتعل
لعبت الجزائر دورًا رئيسيًا في إطالة أمد النزاع المفتعل في الصحراء، من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي لجبهة البوليساريو. فرغم التغيرات الكبيرة على الساحة الدولية، بما في ذلك تراجع التأييد لجبهة البوليساريو التي فقدت الكثير من حلفائها التقليديين، تواصل الجزائر تمسكها بمواقفها، رافضةً التجاوب مع الجهود الأممية الرامية إلى إيجاد حل سياسي.
وتعمل الجزائر أيضًا بتسليح وتمويل البوليساريو، وهو ما يثير استياء العديد من الدول التي ترى في هذا الدعم تهديدًا للاستقرار الإقليمي. وفي الآونة الأخيرة، زادت الدعوات لتصنيف الجبهة الانفصالية كمنظمة إرهابية، نظرًا لارتباطاتها بعناصر متشددة في المنطقة.
التناقض الجزائري: استغلال القضية الفلسطينية وتجاهل القضايا العربية
من أبرز مظاهر التحرك الجزائري في المحافل الدولية هو استغلال القضية الفلسطينية لإثارة موضوع الصحراء المغربية. وبالرغم من أن الجزائر تروج لنفسها كداعم قوي للفلسطينيين، إلا أن دعمها يقتصر في الغالب على بيانات سياسية وإعلانات تنديد، دون أن تقدم مساعدات ملموسة على أرض الواقع.
وعلى النقيض من ذلك، يلعب المغرب دورًا فعالًا في تقديم الدعم الإنساني للفلسطينيين، خاصة خلال الأزمات الكبيرة مثل الحرب على غزة. وقد قامت المملكة بتنظيم عدة مبادرات إنسانية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، بعيدًا عن المزايدات السياسية التي تتبناها الجزائر.
مغرب الصحراء وحتمية الحل السياسي
إن محاولة الجزائر المتكررة لإقحام قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس حقوق الإنسان، تعكس فشلها في التأثير على مسار الملف. وفي المقابل، تواصل المغرب حصد دعم دولي متزايد، خاصة فيما يتعلق بمبادرة الحكم الذاتي، التي أصبحت تُعتبر السبيل الأمثل لإنهاء النزاع.
وبينما تتزايد العزلة الدبلوماسية للجزائر، يظل المغرب منخرطًا في مسار بناء لتعزيز حقوق الإنسان في جميع أنحاء المملكة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. وهذه الجهود، إلى جانب الدعم الدولي القوي، تؤكد أن الحل النهائي لقضية الصحراء يقترب، وأن الجزائر تقف أمام تحديات متزايدة في محاولاتها للحفاظ على النزاع المفتعل.