في خضم التوترات الإقليمية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، تواجه الجزائر اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المهاجرين الأفارقة، الذين يُرحَّلون بشكل جماعي إلى النيجر في ظروف قاسية وغير إنسانية. وتثير هذه العمليات جدلاً واسعاً، ليس فقط بين المنظمات الإنسانية، ولكن أيضاً على المستوى الدبلوماسي بين الجزائر ودول الجوار، وخاصة النيجر. هذا التقرير يسلط الضوء على الأوضاع المأساوية التي يعاني منها هؤلاء المهاجرون، ويوثق الانتهاكات التي تحدث خلال عمليات الطرد الجماعي.
خلفية الأحداث
منذ بداية عام 2024، طردت الجزائر ما يقارب 20 ألف مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى النيجر المجاورة، وفقاً لما أفادته منظمة “Alarme Phone Sahara”، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مجال إغاثة المهاجرين في منطقة الساحل. ويأتي هذا التصعيد في عمليات الترحيل بعد سنوات من الإجراءات الصارمة التي تتخذها السلطات الجزائرية ضد الهجرة غير النظامية.
وتشير التقارير إلى أن المهاجرين المطرودين غالباً ما يتعرضون للاعتقال في المدن الجزائرية، حيث يتم احتجازهم بشكل جماعي في أماكن مثل “تمنراست” جنوب البلاد. ومن هناك، يتم نقلهم في شاحنات إلى الحدود مع النيجر، في ظروف تصفها المنظمات الإنسانية بأنها “غير إنسانية” و”مهددة للحياة”. وغالباً ما تشمل هذه العمليات النساء والأطفال، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني لهؤلاء المهاجرين.
ظروف الترحيل
تعرض المهاجرون خلال عمليات الترحيل لمجموعة من الانتهاكات الجسيمة. وتُنفذ عمليات الاعتقال في الغالب عبر مداهمات ليلية في المنازل أومن أماكن العمل، وأحياناً حتى عند الحدود التونسية. بمجرد اعتقالهم، يتم تجميعهم في مراكز احتجاز مكتظة، حيث يواجهون ظروفاً قاسية تتسم بنقص الرعاية الطبية وسوء التغذية. وبعد ذلك، يتم نقلهم في شاحنات إلى الحدود النيجرية، حيث يُتركون في مناطق صحراوية نائية، مما يعرض حياتهم للخطر.
كما تشير شهادات بعض المهاجرين إلى تعرضهم لسوء معاملة جسدية ونفسية من قبل السلطات الجزائرية خلال عمليات الترحيل. وتقول إحدى النساء المطرودات، وهي أم لطفلين، إنها تعرضت للضرب والإهانة قبل أن يتم نقلها مع أطفالها إلى النيجر. وتشير إلى أن الوضع في الصحراء كان مروعاً، حيث قضوا أياماً بدون ماء أوطعام.
ردود الفعل الدولية
أثارت هذه العمليات استياءً دولياً واسعاً، وخاصة من قبل حكومة النيجر. ففي أبريل 2024، استدعت وزارة الخارجية في النيجر السفير الجزائري بنيامي، حيث قدمت احتجاجاً رسمياً على عمليات الترحيل العنيفة. وأعربت النيجر عن قلقها من الانتهاكات التي يتعرض لها مواطنوها، وطالبت باحترام حقوقهم الإنسانية وضمان كرامتهم أثناء عمليات الترحيل.
وقد عبّر ممثل الحكومة الانتقالية في النيجر عن استيائه من الطريقة التي تنفذ بها السلطات الجزائرية هذه العمليات، مشيراً إلى أنها تتسم بالعنف وتنتهك حقوق الإنسان. وطالب السفير الجزائري بنقل رسالة قوية إلى حكومته تدعو إلى وقف هذه الانتهاكات وضمان احترام حقوق المهاجرين وفقاً للمعايير الدولية.
تأثير هذه السياسات على العلاقات الجزائرية النيجرية
تشكل عمليات الترحيل الجماعي تحدياً كبيراً للعلاقات بين الجزائر والنيجر، حيث تتشارك الدولتان حدوداً طويلة وتاريخاً من التعاون. إلا أن هذه العمليات تسببت في توتر العلاقات بين البلدين، حيث باتت النيجر ترى في سياسات الجزائر تهديداً لأمنها واستقرارها الداخلي.
وتحاول النيجر من خلال القنوات الدبلوماسية الضغط على الجزائر لتعديل سياساتها المتعلقة بالهجرة، وضمان معاملة المهاجرين وفقاً للمعايير الإنسانية الدولية. إلا أن الجزائر تبرر هذه العمليات بأنها ضرورة لمواجهة التدفق الكبير للمهاجرين غير النظاميين الذين يستخدمون الجزائر كنقطة عبور للوصول إلى أوروبا.
وتستمر أزمة المهاجرين الأفارقة المطرودين من الجزائر في إلقاء ظلالها على المشهد الإنساني والدبلوماسي في المنطقة. ورغم الضغوط الدولية والمناشدات الإنسانية، لكن الأوضاع على الأرض لا تزال تتفاقم، مما يهدد بحدوث كارثة إنسانية في منطقة الساحل. وبات الوضع يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للضغط على الجزائر لتغيير نهجها في التعامل مع المهاجرين. لكي تكون عمليات الترحيل، إذا كانت ضرورية، متوافقة مع المعايير الدولية التي تضمن حقوق الإنسان وتحافظ على كرامة الأفراد وسلامتهم. كما تبقى القضية اختباراً حقيقياً لمدى التزام الجزائر والمجتمع الدولي بحماية حقوق الإنسان في مواجهة التحديات الأمنية والهجرة غير النظامية.