أثار السيد أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط في المغرب، جدلاً واسعًا عقب تهديده بفضح من يرفضون المشاركة في عملية الإحصاء العام للسكان، المقرر أن تنطلق يوم الأحد فاتح شتنبر وتمتد إلى غاية 30 منه. وذلك خلال تصريحه، خلال الندوة المخصصة للإعلان عن الانطلاقة الرسمية لعملية الإحصاء، التي عقدت يوم الخميس 29 غشت 2024، وخلّف تصريحه العديد من التساؤلات حول دوافعه وأهدافه، ومدى تأثيره على الثقة العامة في المؤسسات الوطنية.
هل تصريحات الحليمي دلالة على أزمة ثقة؟
تهديد الحليمي بفضح من يرفضون المشاركة في الإحصاء يعكس، ربما، إحساسًا بالقلق تجاه انخفاض مستوى الاستجابة العامة لهذه العملية. فالتحفظ أوالامتناع عن المشاركة قد يرتبط بعدة أسباب، منها الشكوك حول كيفية استخدام البيانات، أوالخوف من التداعيات القانونية، أوحتى الشعور بعدم جدوى هذه العملية في تحسين الظروف المعيشية.
ويَعلم الحليمي، كرجل مسؤول ومخضرم في الميدان الإحصائي، جيدًا أهمية الحصول على بيانات دقيقة وشاملة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل التهديد بفضح المواطنين هو الأسلوب الأمثل لذلك؟.
الجدل حول الأسلوب وتأثير التصريحات على الرأي العام
تصريحات الحليمي قد تُفهم على أنها محاولة للضغط على المواطنين للمشاركة، لكنها قد تأتي بنتائج عكسية. ففي زمن يتزايد فيه الوعي بالحقوق الفردية والحريات الشخصية، قد يرى البعض في هذا التهديد انتهاكًا للخصوصية وحقوق الإنسان، مما قد يزيد من التوتر والرفض الشعبي.
وهناك من يرى أن الحليمي كان يجب أن يختار أسلوبًا أكثر تحفيزًا وإيجابيًا، يشجع من خلاله المواطنين على المشاركة طوعًا، بدلاً من اللجوء إلى لغة التهديد. فمثلاً، كان يمكن التركيز على حملات توعية توضح أهمية الإحصاء في تحسين الخدمات العامة والرفع من مستوى العيش.
وبذلك تباينت ردود الفعل على تهديد الحليمي. فبعض المواطنين شعروا بالقلق من أن يكون هذا التهديد خطوة أولى نحو ممارسات أكثر تضييقًا على الحريات الشخصية. بينما يرى آخرون أن المشاركة في الإحصاء واجب وطني، وأن أي محاولة لعرقلة هذه العملية تستحق المواجهة.
القانون والمسؤولية
من الناحية القانونية، قد يستند الحليمي في تهديده إلى القوانين التي تُلزم المواطنين بالتعاون مع السلطات في مثل هذه العمليات الوطنية. حيث ينص الفصل الثالث من القانون المنظم للإحصاء، الصادر في 16 يونيو 1971، على أن ”كل من رفض الامتثال لإجراءات الإحصاء أو أدلى بتصريحات غير صحيحة، يعاقب طبقا لمقتضيات الفصل 609 (الفقرة 11 منه) من القانون الجنائي”. لكن يبقى هناك تساؤل حول مدى ملاءمة تنفيذ القانون بطريقة تثير الخوف بدلاً من بناء الثقة والتعاون. خاصة وأن هذا التهديد صدر عن شخصية في موقع المسؤولية من المفروض والواجب عليها الحذر لتجنب تحويل قضية إدارية إلى نزاع عام يضعف من علاقة الثقة بين الدولة والمواطنين؟.
من ناحية أخرى، قد يكون لهذه التصريحات تأثير إيجابي في توجيه الاهتمام نحو أهمية المشاركة في الإحصاء، مما يدفع البعض إلى إعادة النظر في مواقفهم والمساهمة بشكل أكثر إيجابية في العملية.
ويبقى تصريح أحمد الحليمي، حول فضح من يرفضون المشاركة في الإحصاء، إشارة إلى التحديات التي تواجهها السلطات في جمع بيانات دقيقة وشاملة. وفي الوقت نفسه يفتح بابًا للنقاش حول الأساليب الأكثر فعالية في تعزيز المشاركة العامة. لذلك يجب على المسؤولين أن يتعاملوا بحذر مع مثل هذه القضايا الحساسة، وأن يوازنوا بين تنفيذ القانون واحترام حقوق المواطنين، لضمان نجاح أي عملية وطنية تعتمد على التعاون الشعبي.
رسالة الحليمي للأثرياء
وعلاقة بالموضوع، وجه الحليمي تحذيرات لأثرياء المغرب الذين يرفضون المشاركة في عملية الإحصاء، ودعا أصحاب الفيلات إلى فتح أبوابهم للمكلفين بالإحصاء وإبعاد كلابهم عنهم، مهدداً باتخاذ إجراءات قانونية ضد كل المتجاوزين. وشدد على أن الإحصاء ليس للفقراء وحدهم بل هو حق لكل المغاربة، مبرزا أن الأثرياء غالباً ما كانوا يتعاملون مع فرق الإحصاء بعدوانية ويشددون على عدم التعاون، وفي أفضل الأحوال يرفضون فتح أبواب منازلهم.
من جهة أخرى، أوضح الحليمي أن المعلومات المجمعة في الإحصاء لن تُربط بالبيانات الشخصية الموجودة في سجلات أخرى مثل السجل الوطني للسكان أوالسجل الاجتماعي الموحد، بل ستتم معالجتها بشكل مستقل.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية الإحصاء السكاني هي ممارسة دورية تهدف إلى جمع بيانات دقيقة حول التوزيع السكاني والخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للسكان. وتعد هذه البيانات أساسية لصياغة السياسات العامة، وتوجيه الاستثمارات، وتحديد الاحتياجات المحلية، وبالتالي فإن مشاركة المواطنين تعتبر ضرورة لتحقيق أهداف هذه العملية.