أعلنت السويد عن تطبيق قواعد جديدة تُلزم طالبي اللجوء بالبقاء في مراكز الاستقبال التابعة لمصلحة الهجرة طوال فترة انتظارهم لقرار بشأن طلباتهم، في تحول كبير في سياسة الهجرة. وتهدف هذه الخطوة إلى منع اللاجئين من اختيار أماكن سكنهم بشكل مستقل، وهو ما يُعد خروجًا عن النهج التقليدي الذي كانت تتبعه البلاد على مدى العقود الماضية.
خلفية تاريخية: تغير في وجهة السويد نحو الهجرة
السويد لطالما كانت تُعتبر واحدة من الدول الأكثر ترحيباً بالمهاجرين واللاجئين في أوروبا. فمنذ التسعينيات، شهدت البلاد موجات كبيرة من اللاجئين الفارين من الحروب والصراعات في دول مثل يوغوسلافيا السابقة، سوريا، العراق، أفغانستان، والصومال. وهذا التدفق الكبير للاجئين كان يعكس قيم السويد التقليدية في حقوق الإنسان والتضامن مع الشعوب المضطهدة.
ومع ذلك، بدأت تتراكم تحديات كبيرة مع مرور الوقت. إذ ازداد الضغط على البنية التحتية، الإسكان، والتعليم، والخدمات الصحية، وهو ما أدى إلى انتقادات متزايدة من بعض الأحزاب السياسية والجماعات المجتمعية بشأن قدرة السويد على استيعاب هذا العدد المتزايد من المهاجرين. ومع ظهور مشكلات اجتماعية واقتصادية في مناطق سكن اللاجئين، بدأت الحكومة بإعادة تقييم سياساتها المتعلقة بالهجرة.
التحديات الحالية: ما الذي دفع الحكومة لاتخاذ هذه الخطوة؟
وزيرة الهجرة السويدية، ماريا ستينيرغارد، أكدت أن الهدف من هذه التغييرات هو تنظيم عملية اللجوء بشكل أكثر فعالية وتقليل الضغوط على البنية التحتية للبلاد. وفقًا لتصريحاتها، فإن الحكومة ترى أن السماح للاجئين باختيار أماكن سكنهم يعقد عملية اللجوء ويزيد من الضغوط على المناطق الحضرية التي تستقبل عددًا كبيرًا من اللاجئين.
وتأتي هذه الخطوة أيضًا في وقت يشهد فيه النقاش السياسي في السويد تصاعداً حول قضية الهجرة. على مدى السنوات الماضية، إذ ازدادت المخاوف بشأن التكامل الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين، وكذلك تأثير اللاجئين على سوق العمل والإسكان. هذا التحول السياسي لم يكن محصورًا في السويد فقط، بل يعكس تيارًا أوسع في أوروبا حيث تتجه الدول إلى تبني سياسات أكثر صرامة بشأن الهجرة.
ماذا تعني القواعد الجديدة لطالبي اللجوء؟
وفقًا للقوانين الجديدة، سيُجبر طالبو اللجوء على الإقامة في مراكز الاستقبال التابعة لمصلحة الهجرة طوال فترة انتظارهم للقرار. وفي حال رفض طلب اللجوء، سيتم نقلهم إلى مراكز العودة تمهيدًا لترحيلهم. فهذه القواعد تُعني أن طالبي اللجوء سيفقدون القدرة على التحرك بحرية أواستئجار مسكن خاص بهم، مما قد يزيد من الضغط النفسي عليهم.
كما أن إحدى المخاوف الكبرى تكمن في كيفية تأثير هذه السياسات على حياة الأسر والأطفال الذين يعانون بالفعل من الصدمات النفسية بسبب الحروب والصراعات. مما قد يؤدي حصرهم في مراكز الاستقبال لفترات طويلة إلى تفاقم الأوضاع النفسية والصحية لهؤلاء الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن نوعية الحياة في هذه المراكز قد تكون محدودة للغاية، حيث يُشكو البعض من الاكتظاظ وسوء الظروف المعيشية.
ردود الفعل: انقسام داخلي في السويد
لاقت هذه السياسات الجديدة ردود فعل متباينة داخل السويد. فيراها البعض خطوة ضرورية للتخفيف من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، في حين يراها آخرون انتهاكًا لحقوق الإنسان وكرامة اللاجئين. كما عبّرت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تفاقم عزلة اللاجئين وتقييد حريتهم في اختيار مكان إقامتهم.
وانتقدت المعارضة السياسية في البرلمان السويدي، وخاصة من الأحزاب اليسارية والخضراء، هذه الخطوة بشدة. حيث ترى أن الحكومة تتبع نهجًا متشددًا يتجاهل الجوانب الإنسانية لهذه الأزمة. وفي المقابل، ترى الأحزاب اليمينية والمتشددة أن هذه السياسات ضرورية لضمان أمان واستقرار البلاد.
السويد في السياق الأوروبي: هل هذه بداية تحول أكبر؟
هذا التحول في سياسة السويد يتماشى مع اتجاه عام في أوروبا نحو تبني سياسات أكثر صرامة تجاه الهجرة. ففي فرنسا وألمانيا والدنمارك، على سبيل المثال، تم اتخاذ خطوات مشابهة في السنوات الأخيرة للحد من تدفق المهاجرين وتحديد أماكن إقامتهم. ومع زيادة الضغط من الأحزاب اليمينية المتشددة في جميع أنحاء القارة، يبدو أن هناك تحولاً في النهج الأوروبي نحو الهجرة.
وتواجه أوروبا تحديات كبيرة في ظل استمرار الصراعات في مناطق مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يدفع بمزيد من الأفراد إلى البحث عن ملاذ آمن. ومع تصاعد التيارات القومية والشعبوية، باتت الدول الأوروبية أكثر تحفظاً في سياساتها تجاه الهجرة.
إلى أين تتجه السويد؟
يبقى السؤال الآن هو كيف ستتطور هذه السياسات الجديدة في السويد، وهل ستكون قادرة على تحقيق أهدافها دون المساس بحقوق طالبي اللجوء. وإن كان تنظيم عملية الهجرة واللجوء بطريقة فعالة هو هدف مشروع، لكن هناك خط رفيع بين الكفاءة والإنسانية. وسيكون التحدي الأكبر أمام السويد في كيفية تحقيق توازن بين حماية مصالحها الوطنية والحفاظ على قيمها الإنسانية التي طالما كانت جزءًا من هويتها.
وعلى المدى الطويل، قد تكون هذه القوانين بداية لتحول أكبر في السياسة الأوروبية تجاه اللاجئين، وهو ما قد يتطلب إعادة التفكير في النظام الدولي لحماية اللاجئين وضمان حقوقهم في ظل تصاعد التحديات العالمية.