أثارت الصين اهتماماً دولياً بعد إعلانها استثناء “جبهة البوليساريو” الانفصالية من قائمة الدول الإفريقية المشاركة في القمة الأخيرة لمنتدى التعاون الإفريقي الصيني (FOCAC) التي انعقدت في العاصمة الصينية بكين.
جاء هذا الموقف من خلال تغريدة نشرها لين جيان، مدير إدارة الإعلام والمتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية، على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، حيث أكد مشاركة 53 دولة إفريقية، بينما تم استثناء ما يسمى “جمهورية الصحراء الوهمية”.
الخلفية التاريخية:
تعود النزاعات حول الصحراء المغربية إلى السبعينات من القرن الماضي بعد انسحاب الاستعمار الإسباني. وتسعى جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر إلى إقامة دولة مستقلة في الصحراء المغربية، بينما يؤكد المغرب سيادته على هذه الأقاليم الجنوبية. وقد أصبحت القضية مصدراً للتوتر بين المغرب والجزائر، حيث تدعم الأخيرة البوليساريو مادياً ودبلوماسياً.
موقف الصين الرسمي:
منذ فترة طويلة، تبنت الصين موقفاً واضحاً يقوم على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، بما يتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وبهذا السياق، ترفض الصين الاعتراف بأي كيان انفصالي غير معترف به من قبل الأمم المتحدة، وهو ما يفسر استثناء جبهة البوليساريو من القمة.
وفي تغريدته، أوضح لين جيان أن الدعوات لحضور القمة قد وُجهت إلى الدول الإفريقية ذات السيادة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. هذا الموقف يتسق مع السياسة الصينية الثابتة التي تحترم السيادة الوطنية للدول المعترف بها دولياً، ويعكس بوضوح دعم الصين لسيادة المغرب على الصحراء المغربية.
كما تأتي هذه الخطوة في إطار العلاقات القوية التي تجمع بين الصين والمغرب. فكلا البلدين شريكان في مجالات متعددة تشمل التجارة، والبنية التحتية، والطاقة المتجددة. ويُعتبر دعم الصين للوحدة الترابية للمغرب جزءاً من هذه العلاقات الاستراتيجية، مما يعزز الموقف المغربي دولياً.
محاولات الجزائر لإدراج البوليساريو:
تشير تقارير دبلوماسية إلى أن الجزائر بذلت جهوداً كبيرة لمحاولة إدراج جبهة البوليساريو ضمن الدول المشاركة في القمة من خلال اتصالات دبلوماسية مكثفة. ومع ذلك، اصطدمت هذه المحاولات بموقف صيني حازم، حيث أكدت بكين أن المنتدى مخصص للدول المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، ورفضت إشراك أي كيان انفصالي.
كما تسعى الجزائر منذ سنوات لتعزيز شرعية البوليساريو على الساحة الدولية، واعتبرت القمة فرصة لمحاولة تعزيز هذا الهدف. لكن فشل الجزائر في تحقيق هذا الأمر يعكس العزلة المتزايدة التي تواجهها جبهة البوليساريو، حتى في المحافل الدولية الكبرى.
وأرفق لين جيان، في تغريدته، صورة تضمنت أعلام الدول الإفريقية المشاركة في القمة. ومن اللافت للنظر أن علم البوليساريو لم يظهر ضمن هذه الأعلام، مما يعكس موقف الصين الرافض للاعتراف بالكيان الانفصالي. ولم يكن هذا القرار مجرد تفصيل بروتوكولي، بل كان رسالة واضحة تعبر عن التزام الصين بمبادئ احترام سيادة الدول المعترف بها دولياً.
ردود الفعل في المغرب والجزائر:
في المغرب، لقي الموقف الصيني ترحيباً كبيراً على المستويين الرسمي والشعبي. فقد اعتبر هذا التطور انتصاراً دبلوماسياً مهماً يعزز جهود المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية. كما أنه يرسخ الشراكة المتينة بين الرباط وبكين في مختلف المجالات، خاصة مع دعم الصين الواضح للموقف المغربي في النزاع حول الصحراء المغربية.
وعلى الجانب الآخر، تسبب هذا الموقف في استياء كبير لدى الجزائر، التي تعد الحليف الرئيسي للبوليساريو. واعتبرت الجزائر أن رفض الصين دعوة البوليساريو ضربة قاسية لمحاولاتها المستمرة في تعزيز الاعتراف الدولي بالجبهة. ورغم العلاقات الاقتصادية القوية بين الجزائر والصين، يبدو أن بكين متمسكة بمبادئها الأساسية في عدم دعم الحركات الانفصالية.
أبعاد دبلوماسية أوسع:
الموقف الصيني في هذه القمة يتزامن مع جهود بكين لتعزيز نفوذها في إفريقيا كجزء من استراتيجيتها العالمية “مبادرة الحزام والطريق”. إفريقيا تعد منطقة حيوية بالنسبة للصين من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية، حيث تعمل بكين على توسيع استثماراتها وبناء علاقات قوية مع الدول الإفريقية المعترف بها دولياً.
برفضها القاطع لمشاركة البوليساريو، أرسلت الصين رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن أي كيان انفصالي غير معترف به لن يكون له مكان في المنتديات الدولية الكبرى، خاصة تلك التي تتعلق بالتعاون التنموي والاقتصادي. وتأتي هذه الخطوة في سياق استقرار العلاقات الصينية المغربية، والتي تمثل نموذجاً للتعاون بين بلدين يسعيان إلى تعزيز مصالحهما المشتركة في إطار من الاحترام المتبادل.
فالموقف الذي اتخذته الصين في استثناء جبهة البوليساريو من القمة الإفريقية الصينية يعزز من دعم بكين لوحدة المغرب الترابية وسيادته على الصحراء المغربية. كما أنه يظهر بوضوح فشل محاولات الجزائر في تدويل قضية البوليساريو. الصين، بقوتها السياسية والاقتصادية، باتت لاعباً مهماً في تحديد مسار التحالفات الدولية، وموقفها من الصحراء المغربية يعزز هذا الدور، ويؤكد على أهمية احترام سيادة الدول المعترف بها دولياً.