العرائش بين اختصاصات المجلس الجماعي وواقع الإهمال: بنية تحتية منهارة، أحياء صفيحية، وغابة مستباحة… والمجتمع المدني يواجه
اختصاصات واسعة… وتسيير ضعيف
يُناط بالمجلس الجماعي وفقًا للقانون التنظيمي 113.14 مهامٌ محورية تتمثل في تدبير المرافق العمومية المحلية، وإعداد برامج التنمية، والمساهمة في تحسين الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ونقل، إلى جانب العناية بالمجال البيئي والعمراني. غير أن هذه الاختصاصات، وإن كانت واضحة من الناحية النظرية، تصطدم في مدينة العرائش بواقعٍ يتسم باللامبالاة وسوء التدبير، بل وأحيانًا استغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية على حساب الصالح العام.
بنية تحتية تنهار أمام أنظار الجميع
تعاني مدينة العرائش من اختلالات صارخة على مستوى البنية التحتية، فالطرق محفّرة، وشبكات الصرف الصحي متهالكة، وغياب الإنارة العمومية في عدد من الأحياء أصبح أمرًا معتادًا، فضلًا عن غياب ملاعب القرب والمساحات الخضراء. هذه المظاهر لا تعكس فقط ضعف التسيير، بل تبرز أيضًا غياب رؤية استراتيجية لدى المجلس الجماعي الحالي.
مشكل دور الصفيح… قنبلة اجتماعية موقوتة
أحياء الصفيح مثل “جنان باشا الشرقية والكواش، وجنان بيضاوة ، القشلا …” ما تزال شاهدة على فشل برامج إعادة الإيواء، واستمرار مظاهر الهشاشة الاجتماعية التي تعاني منها مئات الأسر. فالمجلس الجماعي لم ينجح إلى حدود اليوم في بلورة سياسة سكنية واضحة تضمن كرامة المواطن، وتُفعل الوعود التي طالما ترددت خلال الحملات الانتخابية. استفحال البناء العشوائي، وانتشار مظاهر الفقر، يزيد من تعميق الفجوة بين الساكنة والمسؤولين المحليين.
غابة “لايبيكا” مهددة في غياب حماية جماعية
غابة “لايبيكا”، التي تعتبر المتنفس الطبيعي الوحيد لساكنة العرائش، أصبحت مهددة في وجودها، بسبب الزحف العمراني غير القانوني، وتنامي البناء العشوائي، فضلاً عن اجتثاث الأشجار ورمي مخلفات البناء ، والإهمال المقصود من طرف الجهات المعنية. والمثير للاستغراب هو صمت المجلس الجماعي وعدم اتخاذه أي إجراءات حاسمة لحماية هذه المعلمة البيئية، في تناقض صارخ مع دوره المفترض في الحفاظ على الثروات الطبيعية.
الوضع الصحي… بين الضعف والتهميش
أما في ما يتعلق بالوضع الصحي، فالمركز الاستشفائي الإقليمي بالعرائش لم يعد قادرًا على استيعاب المرضى، في ظل ضعف التجهيزات ونقص الأطر الطبية، مما يضطر العديد من المواطنين إلى التوجه نحو مدن مجاورة لتلقي العلاج. ومع غياب مستشفى جامعي أو مركزي، وتردي الخدمات، يتزايد الإحساس بالإقصاء والتهميش لدى ساكنة المدينة.
تجاوزات صارخة… وصمت مريب
ما يزيد الوضع تأزمًا هو تسجيل عدد من التجاوزات في تدبير الشأن المحلي، حيث يُتهم بعض أعضاء المجلس بالتورط في خروقات تتعلق بصفقات عمومية مشبوهة، وتوظيفات غير قانونية، وتوزيع غير عادل للموارد. ورغم التنبيهات المستمرة، يغيب دور الرقابة والمحاسبة، ويغيب معه صوت المواطن داخل قبة الجماعة.
المجتمع المدني يتحرك… فهل من آذان صاغية؟
في ظل هذا الانحدار، لم يقف المجتمع المدني موقف المتفرج، بل شرعت عدد من الجمعيات الحقوقية والبيئية والتنموية في دق ناقوس الخطر، وتنظيم وقفات احتجاجية، ورفع تقارير وشكايات إلى الجهات المعنية. وقد أبانت بعض الفعاليات الجمعوية عن وعي عالٍ بضرورة الدفاع عن المدينة، داعية إلى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحقيق العدالة المجالية في إطار التنمية الترابية.
نحو مستقبل يستحقه أبناء العرائش
إن إنقاذ العرائش من مستنقع الفوضى والفساد يقتضي إرادة سياسية حقيقية، وتفعيل آليات الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. كما يتطلب الأمر انخراطًا فعليًا من أبناء المدينة في مراقبة وتقييم أداء ممثليهم، وضغطًا مجتمعيًا مستمرًا لفرض الإصلاح.
فهل ستبقى العرائش رهينة مجلس جماعي عاجز عن أداء مهامه؟ أم أن المجتمع المدني سيكون كلمة الفصل في رسم معالم مستقبل يليق بتاريخ المدينة ومكانتها؟