العرائش… مدينة بين طيّ النسيان في موسم تستعد فيه مدن الشمال لاستقبال الصيف

5 مايو 2025
العرائش
العربية.ما - أنوار العسري

في الوقت الذي تشهد فيه مدن الشمال المغربي حركية دؤوبة لاستقبال الموسم الصيفي، وتتكاثف فيه الجهود بين مختلف المتدخلين لتزيين الشوارع وتنظيف الشواطئ وتعزيز الأمن وتحسين جاذبية الفضاءات العمومية، تبرز مدينة العرائش كاستثناء صارخ، وكأنها مدينة خارج خارطة الاهتمام الرسمي، غارقة في صمت الإهمال وغياب رؤية تنموية واضحة.

العرائش، المدينة العريقة بتاريخها العميق وعمقها الحضاري الضارب في القدم، تقف اليوم على مفترق طرق، لا ماضيها أنقذ حاضرها، ولا حاضرها ينبئ بمستقبل أفضل. بنيتها التحتية تشهد تدهورًا مقلقًا، شوارعها أشبه بخرائط مهجورة، وأرصفتها مهترئة، وكأنها كانت مسرحًا لحرب لم تُعلن.

شرفة الأطلسي… ترميم بلا أفق

شرفة الأطلسي، التي كانت تُعد المتنفس الوحيد للساكنة والزوار، تحولت اليوم إلى ورش مفتوح لا ملامح واضحة له، ولا آجال محددة لإنهائه. مشروع كان يمكن أن يعيد للمدينة إشعاعها، بات بدوره عنوانًا للإهمال، كما هو حال الشاطئ الرئيسي للمدينة الذي طُمست هويته الثقافية، وجرى تهميش دوره الاجتماعي والاقتصادي.

فوضى النقل الصيفي وطمس هوية “الباساخير”

كانت “الباساخير” جزءًا من الذاكرة الجماعية للعرائشيين، وموروثًا ثقافيًا يربط الماضي بالحاضر، حيث شكّلت هذه المراكب التقليدية وسيلة تنقل فريدة للمصطافين نحو الشاطئ، بطابعها الخاص وجمالها البسيط. لكن هذا الإرث تم القضاء عليه نهائيًا، وتم الاستغناء عن هذه المراكب دون بديل يحترم رمزية المكان. فُرض على الساكنة والزوار التنقل عبر حافلات متهالكة، قديمة ومهترئة، لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط الراحة أو السلامة، في مشهد يعكس حجم التراجع في جودة الخدمات، وطمسًا متعمّدًا لهوية المدينة وروحها السياحية.

الأمن والاختلالات النفسية… مشهد متكرر

في ظل هذا التراجع، تُسجل ساكنة العرائش كذلك توافد عدد من المختلين عقليًا على المدينة، في مشهد يطرح أكثر من علامة استفهام حول سياسات توزيعهم على المدن. بينما تعزز باقي المدن وجود رجال الأمن لحماية الزوار، تفتقر العرائش إلى هذه الدينامية، ما يعمّق شعور السكان بالتهميش والتخلي.

من يعرقل تنمية العرائش؟

تتساءل ساكنة العرائش: من يصرّ على إبقاء المدينة في الهامش؟ هل هي أيادٍ خفية تقاوم كل مبادرة تنموية؟ أم هو غياب إرادة حقيقية لدى المسؤولين المحليين والجهويين؟ واقع الحال أن المدينة تعاني من تراكمات سنوات من سوء التدبير وطمس الهوية، في غياب مشاريع ذات بُعد استراتيجي تعيد لها مكانتها المستحقة بين مدن الشمال.

 

العرائش… ماضٍ مشرّف، حاضر بائس، ومستقبل غامض

تستحق مدينة العرائش أكثر من مجرد ذكر عابر في تقارير المجالس أو زيارات موسمية للمسؤولين. تستحق نهضة حقيقية تنطلق من استثمار تاريخها، وإشراك ساكنتها، وفتح ملفات التهميش بشفافية وجرأة. فالمدينة التي أنجبت الأبطال والمثقفين والفنانين، لا يليق بها أن تظل حبيسة النسيان، في زمن تتسابق فيه المدن للظفر بمكانة لائقة ضمن خريطة المغرب الجديد.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.