دخلت العقوبات البديلة حيز التنفيذ كخيار متقدم يعكس تطورًا هامًا في نهج العدالة الجنائية. بحيث تهدف هذه الخطوة إلى معالجة العديد من التحديات التي تواجه النظام القضائي، بما في ذلك الاكتظاظ في السجون والحاجة إلى توفير بدائل أكثر إنسانية وفعالية للعقوبات التقليدية. ويؤطر هذه العقوبات القانون رقم 43.22، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية بعددها الأخير رقم 7328 بتاريخ 22 غشت 2024.
ما هي العقوبات البديلة؟
العقوبات البديلة تشمل مجموعة من التدابير التي يمكن تطبيقها بدلاً من السجن بهدف تحقيق التوازن بين حاجة المجتمع إلى حماية أفراده من الجريمة وبين إعادة تأهيل الجناة بطريقة تتيح لهم فرصة الاندماج مرة أخرى في المجتمع. كما نصت بنود القانون المذكور على أنها تلك “العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا”. والتي حددها الفصل 2-35 في “العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق أوفرض تدابير رقابية أوعلاجية أوتأهيلية، إلى جانب الغرامة اليومية”.
ووفقا للفصل 5-35 فإنه يمكن للمحكمة أن تحكم بعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة بديلا للعقوبة السالبة للحرية إذا كان المحكوم عليه بالغا من العمر خمس عشرة (15) سنة على الأقل في تاريخ صدور الحكم. وسيكون هذا العمل غير مؤدى عنه، حيث ينجز لمدة تتراوح بين 40 ساعة و3600 ساعة لفائدة مصالح الدولة، أوالجماعات الترابية أومؤسسات أوهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة أوالمؤسسات العمومية أوالمؤسسات الخيرية، أودور العبادة، أوغيرها من المؤسسات أوالجمعيات أوالمنظمات غير الحكومية العاملة لفائدة الصالح العام.
وفيما يخص الحكم بالمراقبة الإلكترونية فيتم من خلاله مراقبة حركة وتنقل المحكوم عليه إلكترونيا بواحدة أوأكثر من وسائل المراقبة الإلكترونية المعتمدة، حيث يحدد مكان ومدة المراقبة من طرف المحكمة ويراعى في تحديدها خطورة الجريمة والظروف الشخصية والمهنية للمحكوم عليه وسلامة الضحايا، وعدم المساس بالحقوق الشخصية للأشخاص الموجودين رفقته.
اما تقييد بعض الحقوق أوفرض تدابير رقابية أوعلاجية أوتأهيلية؛ فحسب الفصل 12-35 من القانون، يمكن الحكم بواحدة أوأكثر منها، وعلى رأسها مزاولة المحكوم عليه نشاطا مهنيا محددا أوتتبعه دراسة أوتأهيلا مهنيا محددا. إقامة المحكوم عليه بمكان محدد والتزامه بعدم مغادرته، أوبعدم مغادرته في أوقات معينة، أومنعه من ارتياد أماكن معينة، أومن عدم ارتيادها في أوقات معينة. فرض رقابة يلزم بموجبها المحكوم عليه بالتقدم في مواعيد محددة، إما إلى المؤسسة السجنية وإما إلى مقر الشرطة أوالدرك الملكي أومكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة. التعهد بعدم التعرض أوالاتصال بالأشخاص ضحايا الجريمة بأي وسيلة كانت. خضوع المحكوم عليه لعالج نفسي أوعلاج ضد الإدمان. تعويض أوإصلاح المحكوم عليه للأضرار الناتجة عن الجريمة.
وفيما يخص الغرامة اليومية، فحسب مضامين الفصل 14-35 من القانون نفسه، تتمثل في مبلغ مالي تحدده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها. كما يمكن الحكم بها على الأحداث في حالة موافقة وليهم أومن يمثلهم. كما لا يمكن الحكم بها إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح أوتنازل صادر عن الضحية أوذويه أوقيام المحكوم عليه بتعويض أوإصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.
وعن مبلغ الغرامة اليومية، فقد حددها الفصل 35-15 بين 100 و2.000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها.
جرائم لا تشملها العقوبات البديلة:
نص الفصل 3-35 على أنه لا يحكم بالعقوبات البديلة في الجنح المتعلقة بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب؛ الاختلاس أوالغدر أوالرشوة أواستغلال النفوذ أوتبديد الأموال العمومية، غسل الأموال؛ الجرائم العسكرية؛ الاتجار الدولي في المخدرات؛ الإتجار في المؤثرات العقلية؛ الإتجار في الأعضاء البشرية؛ الاستغلال الجنسي للقاصرين أوالأشخاص في وضعية إعاقة.
أهداف الإصلاح:
يأتي إدخال العقوبات البديلة في المغرب استجابة لتوصيات دولية ومعايير حقوق الإنسان التي تدعو إلى تقليل الاعتماد على العقوبات السالبة للحرية، خاصة في الجرائم غير العنيفة. ويهدف هذا النهج الجديد إلى: 1.تخفيف الضغط على السجون: من خلال تقليل أعداد النزلاء في السجون المكتظة. 2.تعزيز العدالة التصالحية: من خلال إشراك الجناة في أعمال ذات فائدة عامة، مما يسهم في تعويض المجتمع. 3.تحقيق فعالية أكبر في العقوبات. وقد تكون العقوبات البديلة أكثر فعالية في إعادة التأهيل مقارنة بالسجن الذي غالبًا ما يزيد من احتمالية العودة إلى الجريمة (العود).
التحديات المحتملة:
رغم الفوائد المتوقعة للعقوبات البديلة، يواجه هذا التوجه عدة تحديات: 1.تنفيذ الرقابة الفعالة؛ لضمان أن الجناة يلتزمون بشروط العقوبات البديلة. 2.البنية التحتية القانونية؛ وما تفرضه من ضرورة تحديث القوانين والإجراءات القضائية لدعم هذه العقوبات وضمان تطبيقها بفعالية. 3.توعية المجتمع؛ فمن أجل تحقيق دعم شعبي لهذا النوع من العقوبات يتطلب الأمر حملات توعوية توضح أهداف وفوائد الإصلاحات.
ولما سبق ذكره، تعتبر العقوبات البديلة خطوة هامة نحو تطوير النظام القضائي في المغرب، وهي تعكس التزام الدولة بتحقيق العدالة بأساليب تتماشى مع المعايير الدولية وحقوق الإنسان. على الرغم من التحديات، فإن النجاح في تنفيذ هذه الإصلاحات يمكن أن يؤدي إلى نظام قضائي أكثر فعالية وإنسانية، قادر على تحقيق التوازن بين العقاب والإصلاح.