تشهد الأسواق المغربية، مع اقتراب عيد الأضحى، إقبالاً متزايداً على “الدوارة” و”الكبدة”، في ظرفية استثنائية تتسم بندرة القطيع الوطني، رغم النداء الملكي السامي الذي أهاب فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بالمواطنين الامتناع عن أضحية العيد حفاظاً على الثروة الحيوانية.
ورغم هذا النداء الواضح والمسؤول، تواصل محلات الجزارة تسجيل ارتفاع في الإقبال، ما أدى إلى موجة غلاء في أسعار اللحوم ومشتقاتها، وسط غياب الرقابة الفعلية على الأسواق.
ويتساءل كثيرون عن أسباب هذا التدافع الكبير نحو شراء الأضاحي واللحوم، في وقت يُفترض فيه أن الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والصحية تفرض مزيداً من التعقل والتضامن. ويبدو أن مقولة “كل ممنوع مرغوب” تجسدت بوضوح في هذا السياق، حيث فضّل البعض التمسك بالشكل بدل الجوهر، متناسين أن عيد الأضحى سنة مؤكدة، وليس فرضاً، ويشترط فيه الاستطاعة، مصداقاً لقوله تعالى: “لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”.
وفي هذا السياق، يذكّر عدد من العلماء والفقهاء بأن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما تُؤتى عزائمه، وأن الامتناع عن الذبح في ظروف استثنائية لا يُنقص من إيمان المرء ولا من فرحة العيد شيئاً، بل يعكس فهماً ناضجاً لروح الدين ومقاصده.
ويطرح هذا الوضع تساؤلاً عميقاً: هل ما نعيشه اليوم هو عيد بمعناه الديني الحقيقي، أم أنه تحول إلى مناسبة اجتماعية تتركز على الشواء والأكل والاستعراض، بعيداً عن جوهر الشعيرة وروحها التضامنية والروحية؟
وفي ظل هذا المشهد، تبقى دعوات المواطنين مستمرة للسلطات من أجل التدخل لضبط الأسعار ومحاربة الاحتكار، وتبقى الحاجة قائمة إلى وعي جماعي يُقدّم الحكمة على العادة، ويجعل من العيد لحظة للتأمل والتآزر، لا عبئاً مادياً يُثقل كاهل الأسر المغربية.