في لحظة مسرحية استثنائية، حملت المسرحية المغربية “المحطة 50” عبق التراث وهمّ الإنسان المعاصر إلى ركح مدينة مدنين التونسية، حيث شاركت بشكل مشرّف ضمن فعاليات الدورة الثامنة من المهرجان الدولي لمسرح الأحياء، الذي تنظمه جمعية المسرح بمدنين بالشراكة مع المسرح الصغير التابع لشركة البحث للإنتاج الفني.
مسرح مغربي في قلب الفضاء العربي
لم تكن مشاركة “المحطة 50” مجرد حضور عابر في برنامج المهرجان، بل كانت لحظة إشعاع ثقافي مغربي بامتياز، عبّرت عن انفتاح المسرح المغربي على قضايا الإنسان الكوني، واستطاعت أن تبني جسور تواصل حقيقية بين التراث والحداثة، بين المحلي والكوني، وبين الذاكرة والراهن.
عمل مسرحي بلغة شعرية وجودية
المسرحية، التي كتبها بدر قلاج وأخرجها عبد الصادق طيارة، وجسّد أدوارها كل من آمال بوعثمان، حليمة بلكدع، وبدر قلاج، قدّمت للجمهور العربي عملاً فنيًا كثيفًا بالمعاني، حيث تحوّلت “المحطة” من مجرد فضاء عبور إلى مجاز فلسفي عميق، يعكس القلق الإنساني، والتيه الوجودي، وحالة الترقّب التي يعيشها الإنسان في عالم مضطرب.
أضفت السينوغرافيا والتصميم الفني، من توقيع وفاء أبو شادي، واللمسات الجمالية للإنارة والموسيقى التي أبدعها أحمد الوادودي، بعدًا بصريًا وصوتيًا منح العرض كثافة تعبيرية مدهشة.
من التراث المغربي إلى وجدان الجمهور التونسي
تميّز العرض بتوظيف اللهجة المغربية والإيقاعات المحلية والأساطير الشعبية، في توليفة فنية معاصرة لم تنفصل عن السياق العربي العام، بل خاطبت وجدان الجمهور التونسي والعربي بلغته الفنية العميقة. كان للعرض وقع خاص لدى الحضور، حيث عبّر كثيرون عن إعجابهم بقدرة المسرح المغربي على تقديم طرح فني وفلسفي عالي المستوى، دون أن يفقد صلته بجذوره الشعبية.
رسالة مغربية بلغة كونية
“المحطة 50” لم تأتِ لتجيب عن الأسئلة، بل لتثيرها، واضعة المتفرّج أمام مرآة ذاته، وحافزة إيّاه على إعادة التفكير في الزمن، في الآخر، وفي موقعه من الوجود. إنها ليست فقط تجربة جمالية، بل موقف إنساني مقاوم للركود، يحفّز على الحلم وعلى استعادة الإنسان في زمن التهميش.
مشاركة مشرّفة في فضاء ثقافي تونسي
شكل العرض لحظة فخر للمسرح المغربي، ومشاركة مشرّفة تعكس دينامية الحركة المسرحية بالمغرب، وقدرتها على التفاعل مع المحافل الدولية بلغة فنية راقية. وقد لقي العمل ترحيبًا كبيرًا من طرف المنظمين والنقّاد، الذين اعتبروا أن “المحطة 50” قدّمت إضافة نوعية للمهرجان، وساهمت في إغناء النقاش حول دور المسرح في مساءلة الواقع والذات.
ختامًا: المسرح كفعل حياة
في تونس، أثبتت “المحطة 50” أن المسرح المغربي لا يزال حيًا، نابضًا، ومؤمنًا بدوره كفعل حياة، ومجال لتقاطع الأسئلة الكبرى للإنسان. إنها محطة، نعم، ولكنها أيضًا انطلاقة نحو أفق أرحب، حيث الفن مقاومة، والهوية انفتاح، والتراث طاقة خلاقة في وجه النسيان.