المذاكرة بين الماضي والحاضر: جدل الواجبات المنزلية… هل هي ضرورة تربوية أم عبء عائلي؟

27 نوفمبر 2025
المذاكرة بين الماضي والحاضر: جدل الواجبات المنزلية… هل هي ضرورة تربوية أم عبء عائلي؟
العربية / فاطمة دناوي - مراكش
المذاكرة بين الماضي والحاضر.

لطالما كانت “الواجبات المنزلية” ركنا أساسيا في العملية التعليمية، متجذرة في ذاكرة الأجيال كرمز للمسؤولية والمثابرة. لكن في ظل التحولات السريعة التي فرضها العصر الرقمي وتنامي الوعي بأهمية التوازن النفسي، تصاعد الجدل حول مدى ضرورة هذه الواجبات وشكلها، لتقف المذاكرة اليوم عند مفترق طرق بين المنظور التربوي التقليدي ومتطلبات الحياة العصرية.

ينظر الجيل الأكبر إلى الواجبات المنزلية من منظور تقليدي يركز على الكم والمسؤولية. ففي الماضي، كان الهدف الأساسي هو تعزيز المعلومات التي تلقاها التلميذ في الفصل عن طريق التكرار والتمرين، وتنمية الانضباط الذاتي لديه. وفي هذا السياق، كانت الواجبات الطويلة تعد دليلاً على جدية المنهج وكثافة التحصيل.

وقد رسخ هذا المنظور قناعة لدى العديد من الأسر بأن قضاء الأبناء ساعات طويلة في حل التمارين هو المؤشر الوحيد على التفوق، ما جعل المنازل تتحول في المساء إلى امتداد قاسٍ للفصل الدراسي.

في المقابل، يواجه النموذج التقليدي نقدا متزايدا في الوقت الحالي لعدة أسباب جوهرية:

  1. الضغط النفسي: ربط الأبحاث الحديثة بين كثرة الواجبات المنزلية وبين ارتفاع مستويات التوتر والقلق لدى الأطفال والمراهقين، مما يؤثر سلباً على جودة نومهم وحالتهم المزاجية.

  2. تآكل وقت الأسرة: تقلص وقت الأبناء المخصص للأنشطة اللاصفية كـ الرياضة والفنون، والوقت المخصص للتفاعل الأسري الحر، وهي عناصر أساسية في بناء شخصية الطالب ومهاراته الاجتماعية.

  3. الجودة مقابل الكمية: أظهرت دراسات أن التمارين المكررة التي لا تتطلب تفكيراً نقدياً تؤدي إلى الملل، وغالباً ما يتم إنجازها بشكل سطحي للحصول على الدرجة فقط، دون تحقيق قيمة مضافة في التعلم.

لم يعد السؤال اليوم هو “هل نحذف الواجبات؟” بل أصبح “ما هو الهدف من الواجب؟”. يرى التربويون والمصلحون المناهج أن دور الواجبات المنزلية يجب أن يتطور ليخدم أهداف القرن الحادي والعشرين، من خلال:

  • التحول نحو النوعية: يجب أن تركز الواجبات على مشاريع بحثية أو تطبيقات عملية للمهارات (مثل: إجراء مقابلة، تحليل خبر صحفي، تصميم حل لمشكلة مجتمعية)، بدلاً من مجرد حل المعادلات.

  • التعلم المخصص: ينبغي أن تتواءم الواجبات مع مستوى الطالب واحتياجاته الفردية، وليس تطبيق منهج موحد على الجميع.

  • تعزيز المهارات الرقمية: استخدام المنصات التفاعلية والوسائط المتعددة بدلا من الورقة والقلم بشكل دائم، لجعل المذاكرة أكثر جاذبية لـ “جيل الديجيتال”.

في النهاية، يبدو أن المذاكرة لم تعد شأنا يخص التلاميذ وحده، والواجبات المنزلية لن تختفي تماما، بل ستتحول. المستقبل يقتضي بناء شراكة حقيقية بين المنزل والمدرسة ترتكز على التفاهم والهدف المشترك: توفير واجبات ذات مغزى لا تثقل كاهل الأسرة، وبناء بيئة منزلية تضمن للطفل وقتا للراحة واللعب، ليكون التعلم رحلة ممتعة ومنتجة، لا عبئا يوميا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.