العربية.ما alaarabiya.ma

المغرب في قلب معركة مكافحة الهجرة غير الشرعية

استراتيجية متعددة الأبعاد في مواجهة التحديات الدولية

alt=
العربية.ما - العربي حجاج

يُعدّ المغرب اليوم لاعباً رئيسياً في مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، لاسيما بعد إحباطه أكثر من 45 ألف محاولة للهجرة نحو أوروبا خلال العام الحالي، وتفكيكه 177 شبكة إجرامية متخصصة في تهريب المهاجرين. وهذا الدور الاستثنائي للمغرب، الذي يزداد أهمية في سياق الاضطرابات الإقليمية في منطقة الساحل، يعكس التزامه الراسخ بالتعاون الدولي من أجل مكافحة هذه الظاهرة المعقدة، التي تتعدى البعد الأمني إلى أبعاد اجتماعية واقتصادية وإنسانية.

الهجرة غير الشرعية بين الضغوط المحلية والدولية

في منطقة الساحل وشمال أفريقيا، حيث تتضافر الأزمات السياسية والاقتصادية مع عدم الاستقرار الاجتماعي، يجد الكثير من الشباب أنفسهم أمام خيار وحيد: الهجرة. والمغرب، الذي يقع جغرافياً على حدود أوروبا ويعد نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الأفارقة، يتعرض لضغوط متنامية. 

ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية المغربية، فإن عام 2024 شهد تصاعداً في وتيرة محاولات الهجرة غير النظامية، مدفوعة بتزايد الفقر وعدم الاستقرار في بلدان المنشأ. ولا يواجه المغرب فقط محاولات عبور الحدود البرية نحو جيبي سبتة ومليلية المحتلين، بل أيضاً محاولات عبر البحر المتوسط والمحيط الأطلسي نحو جزر الكناري.

لكن اللافت للنظر أن الجهود المغربية لم تقتصر على الإجراءات الأمنية والاعتراضات الميدانية، بل شملت أيضاً إنقاذ حياة آلاف المهاجرين من عرض البحر. في هذا الإطار، أنقذت البحرية المغربية 10859 مهاجراً منذ بداية العام، مما يعكس حرص المغرب على التعامل الإنساني مع المهاجرين، رغم التحديات الكبيرة.

 التعاون الدولي: نجاحات وإنجازات

لقد أصبح التعاون المغربي الأوروبي نموذجاً يُحتذى به في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية. فمن خلال تعزيز الشراكات مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة إسبانيا، استطاع المغرب تحقيق نتائج ملموسة في الحد من تدفقات المهاجرين نحو أوروبا. وتُعد هذه الشراكات جزءاً من اتفاقيات موسعة تدعمها مساعدات مالية أوروبية، تعزز التعاون الأمني والتقني بين الأطراف.

لكن النجاح المغربي لا يُختزل في البُعد الأمني فحسب، إذ يشدد المسؤولون المغاربة باستمرار على أهمية معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للهجرة. وفي هذا السياق، يرى المغرب أن تطوير البلدان الأفريقية وتحسين أوضاعها الاقتصادية هو الحل الأمثل للحد من الهجرة، خاصة تلك المرتبطة بالشباب الذين يرون في الهجرة فرصة للخلاص من الفقر والبطالة.

سبتة ومليلية المحتلتان: نقاط اشتعال دائمة

من أبرز التحديات التي تواجه المغرب في مكافحة الهجرة غير الشرعية هي مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، الجيبين الإسبانيين في شمال المغرب. ورغم الجهود المبذولة لضبط الحدود، تبقى المدينتان نقاط عبور ساخنة للمهاجرين. وفي ظل هذا الوضع، يواصل المغرب مراقبته المشددة للحدود الشمالية، في محاولة لمنع القفزات المتكررة عبر الأسوار أوحتى السباحة نحو الشواطئ الإسبانية.

ورغم أن المغرب وإسبانيا قد نجحا في تخطي الخلافات الدبلوماسية التي أثرت سلباً على التعاون الأمني بينهما في السنوات الأخيرة، إلا أن تحديات الهجرة غير الشرعية تبقى محوراً أساسياً في العلاقات الثنائية. إذ أسهم التحول في الموقف الإسباني تجاه قضية الصحراء ودعمه لمبادرة الحكم الذاتي، في تعزيز هذا التعاون، حيث أصبح كل من الرباط ومدريد يعملان جنباً إلى جنب لتأمين حدودهما المشتركة.

البعد الأطلسي: المخاطر الجديدة

بينما كانت الطرق التقليدية للهجرة عبر البحر المتوسط تحت الرقابة المشددة، اختار المهاجرون طريقاً جديداً أكثر خطورة عبر المحيط الأطلسي نحو جزر الكناري. هذا المسار البحري الطويل والمعقد بات يشهد تزايداً في أعداد المهاجرين الذين يخاطرون بحياتهم في قوارب غير مجهزة، ما يزيد من التحديات الإنسانية والأمنية للمغرب.

كما تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن عدد الغرقى في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر يتزايد، حيث تُعد جزر الكناري الخيار الأخير للمهاجرين اليائسين. وفي مواجهة هذا الواقع، يتطلب الأمر تعاونا إقليمياً ودولياً أكبر لمراقبة الحدود البحرية ومكافحة عصابات التهريب، التي تستغل معاناة هؤلاء المهاجرين لتحقيق أرباح طائلة.

أزمة الهجرة وأبعادها المستقبلية

تُعد أزمة الهجرة غير الشرعية انعكاساً لتحديات أعمق تواجه العالم، لا سيما في أفريقيا، حيث تتضافر الأزمات الاقتصادية مع تفاقم ظاهرة التغير المناخي. ومع استمرار النزاعات السياسية في مناطق متعددة من القارة، وخاصة في منطقة الساحل، من المتوقع أن تتزايد تدفقات الهجرة نحو المغرب.

في هذا السياق، فإن الدور المغربي لن يتوقف عند حدوده، بل يمتد ليشمل المساهمة في الاستقرار الإقليمي. المغرب، بحكم موقعه الاستراتيجي وعلاقاته المتشابكة مع أوروبا وأفريقيا، يظل محوراً أساسياً في أي حل طويل الأمد لأزمة الهجرة، ما يفرض عليه التزاماً مستمراً بتطوير استراتيجياته الأمنية والتنموية.

المغرب بين الالتزام والمسؤولية

الدور الذي يلعبه المغرب في مكافحة الهجرة غير الشرعية يتجاوز مجرد إحصاء المحاولات المحبطة أوالشبكات المفككة. إلى دور شامل، يعكس التزاماً دولياً ومسؤولية إقليمية تجاه قضية عالمية معقدة. وبينما يواصل المغرب تعزيز تعاونه مع شركائه الأوروبيين، فإنه يدرك أن الحلول الأمنية لا تكفي وحدها، وأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا هي الأساس لمعالجة جذور هذه الظاهرة.

فالمغرب، الذي أصبح نموذجاً يُحتذى به في مكافحة الهجرة غير الشرعية، يظل في قلب المعركة، ليس فقط من أجل حماية حدوده، بل من أجل تأمين مستقبل أفضل لشباب أفريقيا الذين يطمحون إلى حياة كريمة ومستقرة في بلدانهم.

المصدرالعربية.ما
Exit mobile version