بعد أربعين يوماً من تكليف الملك فيليب لزعيم الحزب القومي الفلاماني، بارت دي ويفر، بتشكيل الحكومة الفيدرالية البلجيكية، تبدو البلاد على شفا أزمة سياسية تهدد استقرارها. على الرغم من فوزه في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 9 يونيو 2024، يجد دي ويفر نفسه أمام طريق مسدود، حيث تعصف به عقبات كبرى في مساعيه لتأمين أغلبية برلمانية قادرة على تشكيل حكومة قوية.
النظام السياسي البلجيكي، المعروف بتعقيده، يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق. فبينما استغرقت الحكومة السابقة 653 يوماً لتتشكل، تبدو الظروف الراهنة أكثر حرجاً وتعقيداً. فنتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت تزايد نفوذ أحزاب اليمين والوسط، ما دفع دي ويفر لمحاولة تشكيل تحالف من أحزاب فلامانية وفرنكوفونية لضمان أغلبية برلمانية. إلا أن تحالفه المكون من 81 مقعداً في مجلس النواب، ورغم قوته الظاهرية، يعاني من انقسامات حادة تهدد بتفككه قبل أن يرى النور.
ويواجه دي ويفر مواعيد حرجة تتطلب تشكيل حكومة عاجلة. الموعد الأول يتمثل في 20 سبتمبر المقبل، وهو التاريخ الذي يتعين فيه على بلجيكا تقديم خطة ميزانيتها إلى المفوضية الأوروبية، بعد أن دخلت البلاد في مرمى النيران الأوروبية بسبب عجزها المالي المفرط. بنسبة 4.4% في عامي 2023 و2024، تجاوزت بلجيكا السقف المحدد من قبل الاتحاد الأوروبي والبالغ 3% من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا لم تتمكن الحكومة المقبلة من تقديم خطة ميزانية فعالة، فقد تواجه بلجيكا عقوبات مالية صارمة وتعليقاً محتملاً للتمويل الأوروبي.
في الوقت ذاته، تقترب الانتخابات المحلية المقررة في 13 أكتوبر بسرعة، مما يضيف مزيداً من الضغط على الأحزاب السياسية لتسريع عملية تشكيل الحكومة. ومع انسحاب خمسة أحزاب من مفاوضات التحالف الحكومي، يجد دي ويفر نفسه في موقف لا يحسد عليه، حيث بات عليه إقناع شركائه في تحالف “أريزونا” بالموافقة على مذكرة العمل التي ستحدد مسار الحكومة المقبلة.
وتتمحور الخلافات حول قضايا شائكة مثل ضرائب الأرباح والأصول المالية، وإصلاح نظم المعاشات والتقاعد المبكر، وتقليص نفقات الرعاية الصحية. إلا أن القضية الأكثر تفجراً تظل الإصلاحات المؤسساتية التي يطالب بها الحزب القومي الفلاماني، وهي قضية قد تفجر التحالف الهش وتدفع البلاد نحو مزيد من التعقيد السياسي.
وفي ظل هذه التحديات المتراكمة، تبدو بلجيكا على حافة أزمة سياسية كبرى. فعدم التوصل إلى اتفاق سريع لتشكيل حكومة فيدرالية قد يضع البلاد في مواجهة اضطرابات سياسية واقتصادية خطيرة، تهدد بتقويض استقرارها في مرحلة حساسة من تاريخها.