بين القضبان: المغاربة يشكلون ثلث السجناء الأجانب في إسبانيا

واقع معقد بين مسؤوليات مشتركة

14 سبتمبر 2024
بين القضبان: المغاربة يشكلون ثلث السجناء الأجانب في إسبانيا
العربية.ما - العربي حجاج

كشفت الإحصاءات الرسمية الإسبانية عن حقيقة مقلقة، في الآونة الأخيرة، حيث يمثل المغاربة حوالي ثلث (1/3) السجناء الأجانب في إسبانيا. وهذه الأرقام الصادمة تعكس واقعاً معقداً يمتد إلى ما هو أبعد من أسوار السجون، ويفتح الباب للتساؤل حول الأسباب الكامنة وراء هذا التمثيل المرتفع، وتأثير السياسات، والواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يدفع العديد من المغاربة إلى هذا المصير المأساوي.

واقع السجون الإسبانية: تزايد مستمر  

وفقاً للتقرير الإحصائي السنوي الصادر عن وزارة الداخلية الإسبانية لعام 2023، ارتفعت نسبة السجناء الأجانب بنسبة 1.1 نقطة مئوية مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 31.2% من إجمالي عدد السجناء في البلاد. بعبارة أخرى، ما يقرب من ثلاثة من كل عشرة سجناء في إسبانيا هم من الأجانب. في هذا السياق، يحتل المغاربة النسبة الأكبر بواقع 29.5% من إجمالي السجناء الأجانب، وهو ما يعادل 5213 سجيناً.

هذه الأرقام تتجاوز مجرد بيانات إحصائية؛ فهي تعبر عن واقع اجتماعي معقد، حيث تتشابك قضايا الهجرة، والتهميش الاجتماعي، والاندماج الثقافي، وتحديات الاقتصاد مع عوامل أخرى تؤدي إلى تضاعف أعداد السجناء المغاربة.

من هم خلف القضبان؟ تحليل الديموغرافيا والجغرافيا  

إلى جانب المغاربة الذين يشكلون النسبة الأكبر، تحتل الجاليات الكولومبية (9.2% أو1634 سجيناً)، والرومانية (7.4% أو1301 سجيناً)، والجزائرية (6.6% أو1170 سجيناً) المرتبات التالية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تتصدر الجالية المغربية هذه النسب؟

يُشير بعض الخبراء إلى أن جزءاً من هذا التفاوت يمكن أن يُعزى إلى الاندماج المحدود في المجتمع الإسباني، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي يواجهها المهاجرون من المغرب. ويأتي ذلك في وقت يعاني فيه عدد كبير من المغاربة من قلة فرص العمل والتعليم في إسبانيا، مما يضعهم أمام خيارات محدودة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الانخراط في أعمال غير قانونية.

الهجرة وأثرها: بين البحث عن حياة أفضل ومواجهة الواقع الصعب  

المغرب يُعد مصدراً رئيسياً للمهاجرين إلى إسبانيا، ويعبر العديد من المهاجرين الحدود بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل. ومع ذلك، يجد الكثير منهم أنفسهم عالقين في دوامة الفقر والعزلة الاجتماعية، وهو ما قد يدفع بعضهم إلى اللجوء إلى الجريمة كوسيلة للبقاء.

الهجرة غير القانونية، وتهريب المخدرات، والسرقة هي بعض الجرائم الشائعة التي تورط فيها المغاربة في إسبانيا، وهذا يُبرز التحديات التي يواجهها هؤلاء المهاجرون في التأقلم مع الحياة في بلد جديد. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المغاربة مشاكل إضافية مثل العنصرية والتمييز، مما يزيد من صعوبة اندماجهم في المجتمع الإسباني.

الأسباب الجذرية: التهميش والفراغ القانوني  

من بين الأسباب الأساسية التي تدفع العديد من المغاربة إلى الوقوع في فخ الجريمة هو التهميش الاجتماعي والاقتصادي. وفقاً للخبراء الاجتماعيين، يعاني العديد من هؤلاء المهاجرين من البطالة المزمنة، وندرة الفرص التعليمية، والنقص في الدعم الاجتماعي. في هذا السياق، تصبح الجريمة وسيلة للبقاء على قيد الحياة في بيئة لا توفر لهم الدعم الكافي.

هذا التهميش لا يقتصر فقط على المغاربة، بل يطال عدداً كبيراً من المهاجرين، إلا أن تأثيره على الجالية المغربية يبدو أكبر نظراً لحجم هذه الجالية وعددها الكبير.

إسبانيا ومسؤوليتها تجاه المهاجرين: هل هناك حلول؟  

السؤال الأهم هنا هو: ماذا تفعل إسبانيا لمعالجة هذا الوضع؟ هل تقتصر المعالجة على العقاب فقط أم تتضمن سياسات تأهيل ودمج فعالة؟. وهنا يرى العديد من الخبراء أن السياسات الإسبانية تجاه المهاجرين تحتاج إلى مراجعة جذرية. فبدلاً من التركيز فقط على الجانب العقابي، يجب أن تتبنى الحكومة الإسبانية سياسات تهدف إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين، وتوفير برامج تأهيلية داخل السجون وخارجها. فالتعليم، والتدريب المهني، والإدماج الاجتماعي هي أدوات قوية يمكن أن تساهم في تقليص معدلات الجريمة بين المغاربة، إذا تم تطبيقها بفعالية.

مسؤولية مشتركة: المغرب ودوره في منع الجريمة  

في الوقت الذي يتحمل فيه النظام الإسباني مسؤولية كبيرة، لا يمكن التغاضي عن دور المغرب في مكافحة هذه الظاهرة. إذ على المغرب أن يطور سياساته الاجتماعية والاقتصادية لضمان عدم تحول الهجرة إلى وسيلة للهروب من الظروف الصعبة في الوطن. مع توفير فرص عمل وتعليم داخل المغرب قد يقلل من رغبة البعض في الهجرة بأي ثمن.

كما يُظهر ارتفاع نسبة المغاربة في السجون الإسبانية حاجة ملحة للتفكير في الحلول. وليست هذه مجرد مسألة جنائية بل هي أزمة اجتماعية وإنسانية معقدة تتطلب جهداً مشتركاً من السلطات الإسبانية والمغربية. فقط من خلال العمل على تحسين ظروف المهاجرين وتوفير فرص عادلة للجميع، يمكننا البدء في معالجة هذه الأزمة والحد من الأعداد المتزايدة للمغاربة خلف القضبان في إسبانيا.

المصدر العربية.ما
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.