وسط أجواء مشحونة بالترقب السياسي، شهدت الجزائر واحدة من الانتخابات الرئاسية الأكثر إثارة للجدل في تاريخها. وفي ظل ارتفاع وتيرة الحملات الانتخابية، واهتمام الإعلام الدولي والمحلي، جاء إعلان حملة المرشح الرئاسي حساني عبد العالي عن “خروقات انتخابية” ليزيد من حدة التوتر، ويرفع علامات استفهام حول نزاهة العملية الانتخابية برمتها.
إعلان حملة حساني عبد العالي عن تلك الخروقات لم يكن مجرد شكوى عابرة، بل جاء مدعوماً بتفاصيل حول مجموعة من الأحداث التي، بحسب ما تدعي، تشكك في نزاهة العملية الانتخابية. ما بين تعطيل مراكز الاقتراع، والتلاعب بقوائم الناخبين، إلى التضييق على أنصار المرشح، أصبح الحديث عن “الانتخابات الشفافة” محل تساؤل.
من هو حساني عبد العالي؟
حساني عبد العالي، المرشح الذي استطاع أن يجذب اهتمام شريحة كبيرة من الناخبين بفضل خطابه الصريح وبرنامجه الانتخابي الطموح، يعد من الوجوه الجديدة نسبياً في الساحة السياسية الجزائرية. يمتلك رؤية سياسية تسعى إلى تجديد النظام السياسي ومحاربة الفساد المستشري، وقد وجد دعماً قوياً من الشباب والطبقة الوسطى الباحثة عن تغيير حقيقي في البلاد.
عبد العالي، الذي يتحدث عن أهمية الديمقراطية والشفافية في المؤسسات الجزائرية، يضع مكافحة الفساد في قلب حملته الانتخابية. لكن مع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت حملة عبد العالي تصدر بيانات تحذر من خروقات ممنهجة تهدف إلى تقويض فرصه في الفوز.
تفاصيل الخروقات الانتخابية
وفقاً لحملة عبد العالي، بدأت الخروقات الانتخابية قبل يوم الاقتراع بفترة، حيث تحدثت الحملة عن وجود مؤشرات على تدخلات غير مشروعة من بعض الجهات المتنفذة في النظام السياسي.
1.التلاعب بقوائم الناخبين: أحد أبرز الخروقات التي أثارت الجدل هو ما أسمته حملة عبد العالي بـ “التلاعب الممنهج” في قوائم الناخبين. حيث تم الكشف عن تسجيل أسماء مكررة أوحتى وهمية في بعض الدوائر الانتخابية. وهذا النوع من التلاعب يثير المخاوف حول تأثيره على النتائج النهائية، خاصة في المناطق الريفية حيث يكون الإشراف على عملية الاقتراع أكثر هشاشة.
2.تعطيل مراكز الاقتراع: في اليوم الأول من الانتخابات، أصدرت حملة عبد العالي بياناً تتحدث فيه عن تعمد تعطيل بعض مراكز الاقتراع في المناطق التي يُعتقد أن المرشح يتمتع فيها بشعبية كبيرة. حيث جاء تعطيل المراكز عبر تأخير فتحها أونقص في المواد الانتخابية الأساسية مثل بطاقات الاقتراع، مما أدى إلى إحباط الناخبين.
3.الضغط على الناخبين: لم تقتصر الخروقات على تعطيل المراكز والتلاعب بالقوائم. إذ ذكرت حملة حساني عبد العالي أن بعض مناصريه تعرضوا للتهديد والضغوط من جهات مجهولة بهدف منعهم من التصويت لصالحه. هذا الضغط ترافق مع تقارير عن وجود حملات موازية تهدف إلى تشويه سمعة المرشح عبر وسائل الإعلام المحلية.
الجهات المعنية تتجاهل الشكاوى
على الرغم من تقديم حملة عبد العالي مجموعة من الشكاوى والطعون للجهات المسؤولة عن تنظيم الانتخابات، بما في ذلك اللجنة العليا للانتخابات، إلا أن الردود الرسمية كانت باهتة ومحدودة. رفضت اللجنة العليا للانتخابات التعليق المباشر على الادعاءات، مكتفية بالتأكيد على أن “الانتخابات تسير وفقاً للمعايير القانونية”.
وهذا التجاهل الرسمي زاد من إحباط المرشح ومناصريه، ودفع بالبعض للتساؤل عما إذا كانت هناك إرادة حقيقية من الجهات المسؤولة للتحقيق في هذه الادعاءات.
ردود الأفعال الدولية والمحلية
لم يمر إعلان حملة عبد العالي عن الخروقات مرور الكرام، فقد أثار ردود أفعال متباينة على المستوى المحلي والدولي. في الداخل الجزائري، خرجت بعض الصحف المستقلة لتغطية القضية، معتبرة أن تلك الخروقات قد تكون مؤشرًا على وجود انحراف في مسار الديمقراطية الجزائرية. بينما فضل الإعلام الرسمي التقليل من أهمية الادعاءات.
أما على المستوى الدولي، فقد بدأت بعض المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان ومراقبة الانتخابات بتوجيه أنظارها إلى الجزائر. حيث أعربت منظمات مثل “مراقبة الديمقراطية العالمية” و”هيومن رايتس ووتش” عن قلقها إزاء تلك الادعاءات، مطالبة بإجراء تحقيق مستقل لضمان نزاهة الانتخابات.
السيناريوهات المحتملة بعد الانتخابات
مع تزايد الحديث عن الخروقات، يبقى السؤال الأهم: ما هو مستقبل الانتخابات الجزائرية؟ هل سيؤدي هذا الجدل إلى إعادة النظر في نتائج الانتخابات، أم ستتجاهل السلطات المعنية هذه الاتهامات وتستمر في مسارها المعتاد؟. وهنا توجد عدة سيناريوهات يمكن أن تحدث في المستقبل القريب:
1.التحقيق الرسمي: قد تقرر السلطات المعنية فتح تحقيق في الادعاءات لضمان نزاهة العملية الانتخابية، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيل النتائج أوحتى إعادة الانتخابات في بعض الدوائر.
2.تصاعد الاحتجاجات: إذا استمرت حملة عبد العالي في توثيق الخروقات ولم تتجاوب السلطات معها، فمن المحتمل أن تندلع احتجاجات شعبية، خاصة في المناطق التي يتمتع فيها المرشح بشعبية كبيرة.
3.التجاهل الرسمي: قد تستمر السلطات في تجاهل الادعاءات، مما سيؤدي إلى حالة من الاستياء العميق لدى جزء كبير من الناخبين، وربما إلى تراجع الثقة في العملية السياسية ككل.
الديمقراطية على المحك
سواء أكانت تلك الخروقات ناتجة عن سوء تنظيم أوتلاعب متعمد، فإن ما يجري في الجزائر يسلط الضوء على هشاشة العملية الديمقراطية في البلاد. فالانتقال نحو ديمقراطية حقيقية يتطلب نزاهة وشفافية في الانتخابات، واحترام إرادة الشعب.
ولم تكن حملة حساني عبد العالي الأولى ولن تكون الأخيرة التي تواجه مثل هذه التحديات، لكن تعامل الجهات الرسمية مع هذه الادعاءات سيكون حاسماً في رسم ملامح المستقبل السياسي للبلاد. فهل ستشهد الجزائر انتخابات نزيهة تعزز من الديمقراطية؟ أم أن هذه الانتخابات ستترك جروحاً عميقة في جسد العملية السياسية؟