حين يُناقش السكن بعقل الدولة لا بعين الإسمنت.. ندوة علمية بكلية الحقوق تفتح مغاليق السياسة العمومية من الداخل

4 يونيو 2025
حين يُناقش السكن بعقل الدولة لا بعين الإسمنت.. ندوة علمية بكلية الحقوق تفتح مغاليق السياسة العمومية من الداخل
العربية.ما - الرباط

في مشهد فكري مشحون بالأسئلة العميقة والرهانات الكبرى، عاشت كلية الحقوق بالجديدة يوماً دراسياً استثنائياً، خُصص لفهم وتحليل السياسات العمومية في مجال الإسكان، بعيداً عن الخطابات الجاهزة، وقريباً من لغة الواقع ومفاتيح التغيير.

 

المحاضرة، التي التأم حولها أساتذة وباحثون وطلبة، نُظمت تحت إشراف شعبة القانون العام، وبتنسيق من مختبر الأبحاث في القانون العام والدراسات القانونية والسياسية، وفريق البحث في الحكامة وتحليل السياسات العمومية، بشراكة مع طلبة ماستر الإدارة الرقمية وهندسة الحكامة والضريبية، في إطار انفتاح الكلية على نبض المجتمع وقضاياه الحارقة.

 

ضيف اللقاء كان المهندس هشام عيروض، بصم حضوره بمحاضرة دقيقة وعميقة، زاوج فيها بين المعطى التقني والتحليل السياسي، واضعاً الإصبع على مكامن الخلل في منظومة السكن بالمغرب، ومقدّماً رؤىً نقدية تتجاوز التشخيص إلى اقتراح بدائل واقعية.

 

تحدّث عيروض عن الاختلالات التي عرفتها البرامج السابقة للدعم السكني، وعن الأسباب التي جعلتها لا تصل إلى الفئات المستهدفة فعلاً، مبرزاً أن المشكلة لم تكن في التمويل بقدر ما كانت في الفهم. لكنه، في المقابل، نوّه بالنظام الجديد للدعم، واعتبره خطوة في اتجاه العدالة المجالية، بفضل تبسيط الإجراءات، وربط الدعم بالحاجة الفعلية، لا بالمعايير الورقية.

 

الحديث عن الإسكان لم يكن منفصلاً عن التحديث الرقمي، حيث تناول المحاضر كيف أصبحت الرقمنة أداة لحكامة أفضل في تدبير المشاريع، وكيف تساهم المنصات الذكية في خلق علاقة أكثر شفافية بين المواطن والإدارة.

 

اللافت في هذه المحطة العلمية كان التفاعل اللامحدود من طلبة الماستر، الذين لم يكتفوا بالإنصات، بل خاضوا في نقاش عميق حول العدالة السكنية، ورهانات التخطيط المجالي، ومحدودية المقاربات المركزية، مما كشف عن جيل جديد من الباحثين، يُجيد قراءة الواقع بأدوات علمية، ويطرح الأسئلة الصعبة بلا تردد.

 

هكذا أكدت الكلية، مرة أخرى، أنها لم تعد فقط مؤسسة للتلقين، بل فضاءً حيّاً للنقاش العمومي وصناعة الأفكار، حيث يتحوّل الدرس الجامعي إلى جسر يصل الجامعة بالحياة، والباحث بالمواطن.

 

لم يكن الحديث عن السكن مجرد مداخلة تقنية، بل دعوة مفتوحة لإعادة التفكير في معنى “الحق في المدينة”، و”العدالة في المجال”. لأن السكن ليس فقط جدراناً، بل كرامة، واستقرار، وأفق للحياة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.