دار الثقافة للزرابي: تحفة مراكشية تفتح صفحات الماضي المنسوج.
في قلب حي القصور التاريخي بمدينة مراكش الحمراء، انبلج نور ثقافي جديد ليلة السبت الماضي، الموافق 13 ديسمبر الجاري، مع الافتتاح المبهر لـ “دار الثقافة للزرابي“. هذا الصرح المعماري، المُقام بالكامل وفق تقاليد الهندسة المغربية الأصيلة (الرياض)، يتجاوز كونه مجرد فضاء للعرض ليصبح بوابة زمنية ومعرفية تغوص بالزائر في عمق التراث النسيجي للمملكة.
وفي حوار شامل مع ناصر كسيكس، مدير الدار والمنحدر من عائلة عريقة في البازارات زمن ضمنها تجارة الزرابي، كشف عن الأبعاد الحقيقية للمشروع وفلسفته:
يوضح أن الدافع الأساسي للمشروع هو “تكريم نساجات المغرب، وحماية هذا الفن اللامادي من الاندثار“. مضيفا: “نحن الجيل الرابع في تجارة الزرابي، وشعرنا بضرورة رد الجميل لهذا التراث العريق”. وعن اختيار الموقع تحديدا، أشار إلى أن مراكش هي عاصمة الجنوب، و”الرياض التقليدي في حي القصور يوفر الإطار الأمثل لهذه التجربة الأصيلة والخاصة”.

وعن اختيار الموقع تحديدا، أشار إلى أن مراكش هي عاصمة الجنوب، ونقطة التقاء الثقافات، وتعد “مدينة عالمية تغص بالزوار والسياح من مختلف المعمور“. أما اختيار حي القصور، فذلك لمكانته التاريخية ورمزيته، حيث أن “الرياض التقليدي في حي القصور يوفر الإطار الأمثل لهذه التجربة الأصيلة والخاصة”. وأكد كسيكس أن المنتوجات المعروضة في الدار “ليست للبيع، بل للعرض والحفاظ على الموروث اللامادي“، مُشدداً على أنهم لا يريدون إنشاء “فضاء تجاري تقليدي، بل منصة ثقافية”.
رسالة الدار تتلخص في المثل الأمازيغي: “الزربية كتاب مفتوح“. ويسعى كسيكس من خلالها لإيصال فكرة أن “كل زربية تحمل في طياتها قصصا عن حياة نساجتها، وظروفهن، ورموزا عن الخصوبة والحماية والتاريخ”، ليرى الزائر في الزربية “وثيقة حية تعكس روح هذا الوطن”.

صممت الدار ببراعة لتوفر لزوارها جولة ثقافية متكاملة، وحول رمزية اعتماد الهندسة الأصيلة، يقول ناصر بصفته مدير الدار: “الهندسة المغربية الأصيلة، ممثلة في الرياض، هي رمز الدفء والخصوصية والانطواء على الذات والتاريخ“.
ويتحول الفضاء الداخلي إلى خارطة حية، حيث يتم توزيع الغرف لتمثيل مناطق المغرب المختلفة كـ الأطلس، الرباط، والحوز. وعن هذا التوزيع، يوضح كسيكس: “التوزيع تم بناء على التباين الجوهري في فن النسيج… الزربية هي انعكاس حرفي للهوية. ففي مناطق الأطلس الباردة، تكون الزربية سميكة وذات صوف طويل لغاية الدفء، أما زرابي الرباط فتعكس الرقي والتأثر بالفنون العثمانية والأندلسية. البيئة تحدد المواد، والتقاليد تحدد الرموز”.

الدار ليست متحفا يعرض قطعا جامدة، بل هي “فضاء حي وتفاعلي“. حيث تتاح للزوار فرصة فريدة لخوض تجربة نسيج عملية في ورشة تستمر لساعتين، يتمكنون خلالها من صنع “زربية صغيرة” بأنفسهم.
وتضم المجموعة كنوزا نادرة وقيمة – أتحدث عن الزربية -، يعود أقدمها إلى سنوات القرن الثامن عشر، ومن بينها نماذج فريدة للزربية الرباطية التاريخية. ويتم الحفاظ عليها بعناية فائقة عبر “تقنيات حفظ متقدمة“. وحول معايير الاختيار، يؤكد المدير أنها “الأصالة، الندرة، والجودة التقنية”، وأنهم يولون أهمية للقطع التي تحمل توقيعات أو رموزا نادرة للمرأة الناسجة.
ويشدد كسيكس على القيمة التوثيقية لهذه المنسوجات: “بالتأكيد. الزرابي وثائق تاريخية لا تُقدر بثمن، فهي تسجل بالصوف تفاعلات الإنسان المغربي مع بيئته، ومعتقداته، ومناسباته… إنها تاريخ منسوج لا يحتاج إلى حبر وورق”.

يعكس هذا الفضاء مكانة المرأة باعتبارها “الحافظة والناقلة الأساسية لهذا الفن”. ويتم إدراج الحلي التقليدية الخاصة بالعروس لإظهار “التكامل الفني والثقافي بين مختلف عناصر التراث النسوي المغربي“.
وفيما يخص الرؤية المستقبلية، يؤكد كسيكس أن الدار لديها “ورشات أسبوعية دائمة لتعليم النسيج” وتخطط لـ “إطلاق مبادرات متنقلة“ لدعم الناسجات في القرى. وفي رسالة موجهة إلى الشباب، يختتم:
“رسالتنا للشباب هي: ‘لا تبحثوا عن الأصالة في الخارج، الأصالة في بيوتنا وفي أيادي أمهاتنا وجداتنا‘. نود أن نلهمهم ليكونوا الجيل الجديد الذي يحمي، يبتكر، ويسوق هذا الإرث العظيم للعالم.”


















