“سلطان الطلبة”.. عرس ديني وثقافي يزهر من مراكش في حضرة الذكر والوفاء
في ليلة من ليالي العز والروح، وعلى نغمات المدح والقرآن، احتفت مدينة مراكش بحدث استثنائي جمع بين بهاء الدين وعبق التراث، بين نور القرآن وسحر الأصالة المغربية. فبمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لميلاد سمو الأمير الجليل مولاي الحسن حفظه الله ورعاه، نظمت الرابطة المراكشية للثقافة وإحياء الموروث الشعبي، بشراكة مع مجلس مقاطعة سيدي يوسف بن علي، الدورة الأولى لمبادرة فريدة ومبتكرة حملت اسم: “سلطان الطلبة“، تحت شعار يحمل من المعاني أعمقها:
من أجل زرع وعي ديني هادف، وثقافة تبني الإنسان والأوطان. هذه الدورة، تحولت إلى عرس ثقافي ديني بامتياز، اختارت أن تكرّم روح الاجتهاد ونور القرآن في شخص طفلين توأم أبهرا لجان التحكيم وأبهرا الحضور: زكرياء ويوسف عبيدي، بعد حصدهما مراتب مشرّفة في مسابقات تجويد القرآن الكريم، ليكونا بذلك ٩نجمَي هذه الدورة ونجمتها المتلألئة.
بقلوب كبيرة انطلقت الاحتفالية بموكب رمزي وتكريمي استثنائي، أشبه بموكب سلطاني، جاب ساحة المصلى وصولا إلى المكتبة الوسائطية، حيث تعالى صوت القرآن، وتعطرت الأجواء بالبخور، واختلطت الزغاريد بصلوات المحبة على النبي محمد ﷺ.
المكرمان، زكرياء ويوسف، اعتليا ظهر حصان عربي أصيل، في مشهد تاريخي، مرتديين زيا تقليديا مغربيا مهيبا (جلباب، سلهام، وعمامة)، وسط أعلام الوطن، وصوانٍ من التمر والحلوى، وهدايا تُقدَّم لمن رفعوا راية كتاب الله.
بداخل المكتبة الوسائطية، افتتحت الجلسة في قاعة الندوات بأجواء روحانية مبهرة، حيث تألق الطفل القارئ محمد ياسر الفرسي بآيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبها عزف جماعي على أوتار الوطنية بإنشاد النشيد الوطني.
ثم تقدمت الإعلامية ورئيسة الرابطة، الأستاذة أمينة حسيم، لتنسيق فقرات هذا الحدث، تلاها كلمة من الأستاذ نور حدوشي (الكاتب العام للرابطة)، أكد فيها على أهمية زرع القيم الدينية في الأجيال الصاعدة، وتكريس ثقافة التقدير للمتفوقين في حفظ كتاب الله.
كما ألقت رئيسة مجلس مقاطعة سيدي يوسف بن علي ” الأستاذة مريم باحسو” كلمة وجدانية أكدت فيها على التزام المجلس بدعم مثل هذه المبادرات، باعتبارها صمّام أمان للهوية المغربية الأصيلة.
وتميزت الدورة بمداخلات رفيعة المستوى لثلة من العلماء والدكاترة الذين أضاءوا جوانب خفية من معاني تكريم أهل القرآن، أبرزهم:
- الدكتور مولاي الحسن هيكل: في موضوع “حمل القرآن الكريم ونشره في المملكة المغربية”.
- مولاي المهدي جواني: الذي أسر القلوب بمحاضرته حول “بلاغة تكريم أهل القرآن”.
- الدكتور مولاي عبد الله النصارى: تحدث عن “فعالية سلطان الطلبة في التاريخ المغربي”.
- الشيخ يوسف دودلي: قدّم مداخلة تربوية حول “دور الكتاب القرآني في إصلاح الناشئة”.
واختتمت المداخلات بقصيدة زجلية رائعة بعنوان “سلطان الطلبة” من توقيع الزجال نور الدين حدوشي.
واختتم الحفل بتلاوات عطرة لثلة من الأطفال المجوّدين، وتوزيع شهادات تقديرية 1 وهدايا على التوأم المحتفى بهما، وسط تصفيق حار من الحضور. وفي لحظة خاشعة مهيبة، قرئت برقية الولاء والإخلاص إلى السدة العالية بالله الملك محمد السادس نصره الله، من طرف الإعلامية الأديبة أمينة حسيم، تلاها دعاء ختامي مبارك من العلامة مولاي المهدي جواني.
في نهاية الحفل، خرج الحضور من القاعة وقلوبهم مفعمة بالفخر، وأعينهم متلألئة بالأمل.
لقد تركت الدورة الأولى لـ”سلطان الطلبة” بصمة تاريخية ورسّخت فكرة مفادها أن القرآن ليس فقط كتاب هداية، بل مصدر مجد ووسام شرف لمن حمله.
مراكش، في تلك الليلة، لم تكن فقط مدينة حمراء، بل كانت مدينة من نور … نور حملته أياد صغيرة، وصدحت به حناجر نقية، في حضرة القرآن والعزة والولاء.