بكلية اللغات والآداب والفنون بجامعة ابن طفيل – القنيطرة، وُلد حلم أكاديمي كبير مع قرار إحداث شعبة علوم الإعلام والاتصال، قبل أن يتبخر فجأة بقرار وزاري ألغى المشروع من الخريطة البيداغوجية للموسم الجامعي 2025–2026. بين لحظة الإعلان التي أثارت آمال الطلبة والأساتذة، وواقع الغياب الذي أثار خيبة وانتقادات واسعة، تتشكل قصة مثيرة تكشف عن تناقضات في تدبير الشأن الجامعي وتطرح أسئلة جوهرية حول الحكامة والشفافية ومستقبل التكوين الإعلامي بالمغرب.
1. سؤال البداية
في 23 يناير 2025، صادق مجلس جامعة ابن طفيل – القنيطرة، بموجب القرار رقم 59/25، على إحداث شعبة «علوم الإعلام والاتصال» بكلية اللغات والآداب والفنون. غير أن المفاجأة ظهرت بعد أشهر قليلة عندما خلت الخريطة البيداغوجية للموسم الجامعي 2025–2026 من هذه الشعبة، كما أكدت ذلك المذكرة الوزارية رقم 25/158 بتاريخ 29 يوليوز 2025.
هذا التناقض بين قرار جامعي رسمي وقرار وزاري لاحق يفتح الباب أمام تساؤلات حول الجهة المسؤولة عن تعطيل مشروع أكاديمي كان من شأنه أن يعزز مكانة الجامعة في تكوين الإعلاميين.
2. تكوينات وُلدت معلقة
كان من المنتظر أن تقدم الشعبة باقة عروض بيداغوجية نوعية تشمل:
- إجازة أساسية في علوم الإعلام والاتصال.
- إجازتان للتميز: الإعلام الرياضي، والإعلام الأمني واستراتيجيات الاتصال.
- ماستر متميز: الإعلام وقضية الصحراء المغربية – استراتيجيات الترافع والدبلوماسية الثقافية.
- ماستر أساسي: الصحافة والإعلام الحديث.
لم تكن هذه التكوينات مجرد برامج تقليدية، بل تعكس رؤية طموحة لتكوين إعلاميين يجمعون بين المعرفة النظرية والكفايات المهنية، ومواكبة تحولات الإعلام الرقمي والدبلوماسية الثقافية.
3. أصوات من الداخل: بين الطموح وخيبة الأمل
تعبر شهادات طلبة وأساتذة عن حجم الخيبة الناتجة عن تجميد المشروع:
أمينة.ب — طالبة في السنة الأخيرة من الدراسات الإنجليزية:
«كنا نترقب فتح الشعبة، الكثير منا كان سيعيد التوجيه نحو الإعلام. اليوم نشعر أننا حُرمنا من فرصة مهمة».
الدكتور خالد .ر — أستاذ باحث:
«الجامعة صادقت على المشروع بعد عمل لجنة علمية متخصصة. فجأة يأتي القرار الوزاري ليوقف كل شيء دون تفسير. هذا يطرح إشكالًا حقيقيًا في حكامة التعليم العالي».
4. مقارنات تكشف الفجوة
في حين تعطل المشروع بجامعة ابن طفيل، واصلت جامعات ومؤسسات أخرى خطوات متقدمة في مجال الإعلام والاتصال، من بينها:
- المعهد العالي للإعلام والاتصال – الرباط: مؤسسة رائدة منذ 1969.
- جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء: برامج متجددة في الإعلام الرقمي والاتصال المؤسساتي.
- جامعة عبد المالك السعدي – تطوان: عروض متنوعة في الإجازة والماستر.
- جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس: تكوينات بحثية وأكاديمية في الإعلام والدراسات التواصلية.
المقارنة تبرز فجوة واضحة وتضع جامعة ابن طفيل في موقع متأخر رغم الفرصة التي أتيحت لها عبر قرار مجلسها.
5. خلفيات غامضة: بين التبرير والتأويل
لم يصدر توضيح رسمي يكشف الأسباب الحقيقية لتجميد الشعبة. وتُطرح فرضيات داخل الأوساط الأكاديمية، من بينها:
- تباين الأولويات: احتمال اعتبار الوزارة أن الأولوية لمسالك أخرى مرتبطة بسوق الشغل.
- حسابات إدارية أو توازنات داخلية لم تُعلن بعد.
غياب الشفافية في التواصل حول الملف زاد من حالة الغموض وحوّل القضية إلى محور نقاش داخل الجامعة وخارجها.
6. الخسائر: ضياع فرصة استراتيجية
تترتب عن قرار التجميد خسائر متعددة على مستويات متفاوتة:
- على مستوى الطلبة: حرمان من تكوينات حديثة ومهنية وفرص توظيف.
- على مستوى الجامعة: تراجع تنافسيتها مقارنة بمؤسسات أخرى.
- على مستوى البحث العلمي: توقف مسارات بحثية في الإعلام الرقمي، وصورة المغرب خارجيًا، والدبلوماسية الثقافية.
7. من ملف أكاديمي إلى قضية رأي عام
لم يعد الملف مسألة تقنية؛ بل تحوّل إلى مسألة مصداقية وسمعة أكاديمية. أصوات من داخل الجامعة تطالب بمزيد من الشفافية ومحاسبة واضحة في تدبير هذا الملف.
8. سؤال المستقبل
بين قرار الإحداث وواقع الغياب تبقى الحقيقة معلقة: كانت شعبة علوم الإعلام والاتصال فرصة لربط الجامعة بالتحولات الاستراتيجية في الإعلام والاتصال، لكن القرار الوزاري أوقف المشروع عند حدود الحلم.
يبقى السؤال المحوري: هل ستتدارك كلية اللغات والآداب والفنون وجامعة ابن طفيل والوزارة هذا التعثر في أقرب الآجال، أم سيبقى المشروع مؤجَّلًا في انتظار ظرفية قد لا تأتي؟