في قلب العاصمة البريطانية، وعلى بعد خطوات قليلة من ميدان ترفلغار الشهير، تتشكل مشاهد تعكس واقعًا مريرًا لا يمكن تجاهله. فصفوف طويلة من البشر، من مختلف الأعمار والخلفيات، تمتد على الأرصفة، ليست لانتظار دخول مسرح أومشاهدة عرض سينمائي، بل للحصول على وجبة مجانية تقدمها منظمات خيرية.
هذه الطوابير لم تعد ظاهرة غريبة في لندن أوالمدن البريطانية الأخرى، حيث باتت بنوك الطعام تنتشر بشكل متزايد نتيجة للأزمة الاقتصادية التي أثقلت كاهل البلاد في السنوات الأخيرة. فالتضخم الذي بلغ ذروته عند 11% في نهاية عام 2022، قاد إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة معدلات الفقر بشكل ملحوظ. وأصبح أكثر من سبعة ملايين بريطاني يتجاوزون وجبات الطعام بسبب ضيق ذات اليد في دولة كانت تعد من أقوى اقتصاديات العالم.
تقارير جمعية “تروسيل تراست”، التي تدير شبكة من بنوك الطعام في المملكة المتحدة، تشير إلى ارتفاع الطلب على المساعدات الغذائية بنسبة 37% بين مارس 2022 وأبريل 2023، واستمرار هذا الاتجاه التصاعدي حتى منتصف 2024. واحتلت لندن الصدارة في عدد الطلبات، تليها المناطق الشمالية الغربية من إنجلترا، مما يعكس اتساع رقعة الفقر.
وتحذر الجمعيات الخيرية من أن ارتفاع تكاليف المعيشة لم ينعكس فقط على مستوى المعيشة بل أيضًا على مستوى التبرعات، مما يهدد بتفاقم الأوضاع. وبالرغم من الأمل الذي قد يكون حملته الأرقام الأخيرة للمكتب الوطني للإحصاءات بتراجع نسبة التضخم إلى 2.2% في يوليو 2024، يبقى هذا الأمل ضئيلاً أمام حجم التحديات.
انتقادات لاذعة يواجهها حزب العمال، الذي تولى السلطة مؤخرًا بعد 14 عامًا في صفوف المعارضة، بسبب ما وصفه البعض بالتردد وعدم الوضوح في مقاربته لقضية الفقر. ومع أن الحزب، بقيادة كير ستارمر، أعلن عن تشكيل فرقة عمل لمكافحة فقر الأطفال، إلا أن منتقديه يرون أن هذه الجهود لا ترتقي لمستوى التحديات. فعدد الأطفال الذين يعيشون في فقر ارتفع بمقدار 700 ألف منذ عام 2010، ليصل إلى أكثر من أربعة ملايين طفل.
وعلى الرغم من تأكيد ستارمر بأن الأطفال عانوا طويلاً دون أن تتخذ إجراءات حاسمة لمعالجة الأسباب الجذرية للفقر، فإن محللين يرون أن المبادرات المطروحة، رغم أهميتها، لا تزال بعيدة عن تقديم حلول شاملة لأزمة الفقر المتفاقمة في البلاد. في حين يصف النائب “إيان بيرن” الوضع بأنه فرصة فريدة للتغيير، خاصة وأن شعار “التغيير” كان أساسًا لعودة حزب العمال إلى السلطة.
وبين الأرقام والواقع، يبقى السؤال: هل ستكون هذه المبادرات كافية لكسر دائرة الفقر التي تحاصر ملايين البريطانيين، أم أنها مجرد محاولات لاحتواء الأزمة دون حلول جذرية؟