تأخذ قرارات العزل الأخيرة لرؤساء الجماعات الترابية في المغرب، التي تكررت بشكل متسارع، طابعًا دالًا على أزمة عميقة في المشهد السياسي المغربي، حيث تطرح العديد من الأسئلة حول معايير اختيار الأحزاب لمرشحيها ومدى التزامها بمسؤولياتها الأخلاقية والسياسية. كما تفتح هذه القرارات بابًا واسعًا أمام الدعوات لإصلاحات جذرية في النظام الانتخابي المغربي لضمان نزاهة العملية السياسية وتخليق الحياة الحزبية.
كيفية صدور هذه القرارات وجهتها
تصدر قرارات العزل عن المحكمة الإدارية (حكم قضائي)، إثر دعوة يحركها عامل أووالي المنطقة بناء على ما ترصده تقارير الهيئات الرسمية من مفتشية الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات. وبعد استنفاد آجال المساطر التي حددها القانون التنظيمي رقم 113.14 الخاص بالجماعات. حيث تتم الدعاوي بناء على منطوق المادتين 64 و65 من نفس القانون، بعدما حصرت المادة 63 جهة الاختصاص: “يختص القضاء وحده بعزل أعضاء المجلس…”
الأزمة الحالية: عزل أم أزمة في الاختيارات؟
تسارعت وتيرة قرارات عزل رؤساء الجماعات ومنتخبين بارزين في المغرب مؤخرًا، حيث شملت آخرها رؤساء بجهة الدار البيضاء-سطات. وقد أثارت هذه القرارات العديد من التساؤلات حول فعالية عملية اختيار المرشحين من قبل الأحزاب السياسية، وكذلك مدى التزام هذه الأحزاب بمسؤولياتها تجاه الناخبين.
الفساد واختلالات إدارية: ملامح أزمة
أشارت التقارير الرسمية والمصادر المتطابقة إلى أن العديد من هؤلاء المنتخبين قد تورطوا في قضايا فساد واختلالات إدارية، مما يضع الأحزاب السياسية، التي منحتهم التزكية، في دائرة الضوء. وتواجه اليوم انتقادات شديدة بسبب عدم دقتها في اختيار مرشحيها وغياب الرقابة الصارمة على أدائهم. وهذا يطرح إشكالية رئيسية حول مدى مسؤولية الأحزاب في ضمان نزاهة مرشحيها وجودتهم.
الأحزاب بين التزكية والانتقادات: مواقف وأراء
تقول الباحثة في الشأن السياسي، شريفة لموير، في تصريح صحفي: “قرارات العزل الأخيرة هي مؤشر على صحة المشهد السياسي في المغرب، ولكنها في الوقت ذاته تكشف عن فشل الأحزاب في تأدية دورها الدستوري”. وترى لموير أن “الأحزاب تتعامل مع الانتخابات كفرصة لجمع الأصوات دون النظر في نزاهة وقدرة مرشحيها، مما يجعلها شريكًا في الفساد وسوء التسيير الذي يعاني منه العديد من الجماعات الترابية”. وتضيف لموير أن “الأحزاب لجأت إلى استخدام استراتيجية انتخابية تقوم على ترشيح الأعيان والوجوه المعروفة، بغض النظر عن كفاءتهم، بهدف ضمان الفوز بالمقاعد”. هذا النهج، بحسب لموير، يعوق مسار التنمية ويعرقل الجهود الرامية لتخليق المشهد السياسي في البلاد.
ومن جانبه، يرى محمد سقراط، رئيس المنظمة المغربية لحماية المال العام ومحاربة الفساد، أن “الأحزاب السياسية يجب أن تعيد النظر في طريقة اختيار مرشحيها”. سقراط يؤكد على ضرورة تجاوز النظام الكلاسيكي المعتمد على قدرة المرشحين على جلب الأصوات فقط، ويشدد على أهمية وضع نظام داخلي صارم يعزز من معايير الاختيار، بما في ذلك التحقق من مستوى الكفاءة والنزاهة الشخصية للمرشحين.
الإصلاحات المطلوبة: نحو نظام انتخابي متجدد
إصلاح القانون التنظيمي للجماعات
تشكل الأزمة الحالية فرصة لإعادة النظر في النظام الانتخابي المغربي، وضرورة تحيين القوانين المنظمة للانتخابات. ويشدد العديد من المحللين على أهمية إصلاح القانون التنظيمي للجماعات الترابية بحيث يتضمن شروطًا صارمة للترشح تشمل التحقق من النزاهة والكفاءة.
وتتضمن المقترحات إصلاحات متعددة، منها تعزيز آليات الرقابة الداخلية للأحزاب وتطوير معايير أكثر صرامة لاختيار المرشحين. كما يجب أن يشمل الإصلاح تحسين طرق تقييم المرشحين من خلال مؤسسات مستقلة تشرف على عمليات التحقق من الأهلية والنزاهة.
دور الأحزاب في تخليق الحياة السياسية
تُعَد الأحزاب السياسية مسؤولة عن إرساء قواعد النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية. ومن الضروري أن تتحمل هذه الأحزاب مسؤولياتها في تخليق الحياة السياسية من خلال ضمان أن مرشحيها يلتزمون بأعلى معايير النزاهة والأداء.
ويمكن للأحزاب أن تلعب دورًا محوريًا في هذا الاتجاه من خلال: 1. تأسيس آليات داخلية لمراقبة الأداء: يجب أن يكون للأحزاب نظام رقابي داخلي يضمن جودة وكفاءة مرشحيها. 2. تطوير معايير الاختيار: حيث ينبغي أن تكون هناك معايير واضحة وصارمة لاختيار المرشحين، تتضمن التحقق من خلفياتهم وتاريخهم المهني. 3.الشفافية في التزكيات: حيث ينبغي أن يكون هناك نظام شفاف لإصدار التزكيات، يعكس بشكل واضح معايير التقييم والمتابعة.
ولذلك، فالمغرب يحتاج إلى إصلاح شامل لنظامه الانتخابي وحياة أحزابه السياسية. حيث أن عمليات العزل، التي شهدها المغرب مؤخرًا، تعد جرس إنذار يوضح الحاجة الماسة لإعادة النظر في كيفية اختيار المرشحين ومنح التزكيات. وأن الإصلاحات المقترحة لا تتعلق فقط بتحسين القوانين ولكن أيضًا بتغيير الثقافة السياسية للأحزاب لتصبح أكثر التزامًا بالنزاهة والمساءلة. كما أن تبني مقاربة جديدة تعتمد على الشفافية والكفاءة في اختيار المرشحين سيكون له تأثير إيجابي على المشهد السياسي المغربي، وسيساهم في تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات السياسية.