انكشفت قضية ماركو بولو التي تمزج بين الجريمة المنظمة، والإرهاب الدولي، وتهديدات بالاغتيال الموجهة إلى يهود في أوروبا، وذلك خلال ماي 2024. حيث بدى المشهد مأخوذًا من سيناريو فيلم تجسس هوليوودي، لكن هذه المرة، المشهد لا يقتصر على مطاردات سيارات أوجواسيس مقنعين، بل يتجلى في زوجين عاديين من الجزائر، عبد الكريم س. وزوجته صابرينا ب.، المتهمين بالتورط في مؤامرة يُعتقد أن جذورها تمتد إلى طهران.
القضية، التي تحمل الاسم الغريب “ماركو بولو”، نالت اهتمام السلطات الفرنسية بعد معلومات استخباراتية أشارت إلى احتمال تورط إيران في تخطيط وتنفيذ اغتيالات موجهة ضد شخصيات يهودية في فرنسا وألمانيا. وعلى الرغم من أن اسم “ماركو بولو” قد يوحي بمغامرة في العصور الوسطى، فإن القضية هنا تحمل نكهة معاصرة مشحونة بالسياسة، والعنف، والتهديدات الدولية.
قصة عبد الكريم: من مرسيليا إلى الإرهاب
عبد الكريم س. ليس مجرد اسم جديد في سجل القضاء الفرنسي. الرجل، ذو الـ34 عامًا، قضى 10 سنوات خلف القضبان بعد إدانته في جريمة قتل في مدينة مرسيليا، المدينة الساحلية التي تشتهر بأسماكها ومينائها ولكن أيضًا بشبكات الجريمة التي تتفشى في أحيائها الفقيرة. وأُطلق سراح عبد الكريم في يوليو 2023، لكن يبدو أن مغامراته الإجرامية لم تتوقف عند هذا الحد.
ومع خروجه من السجن، وُضع عبد الكريم تحت الرقابة القضائية، لكن يبدو أن القيود القانونية لم تمنعه من التورط في شبكة جديدة. وبدلاً من قضاء وقته في العمل أوالتأمل في أخطائه، اتجه عبد الكريم وزوجته صابرينا إلى مخططات أكثر تعقيدًا وخطورة: العمل لصالح ما يعتقد أنها أجهزة المخابرات الإيرانية.
“ماركو بولو”: ما وراء الاسم؟
الأجهزة الأمنية الفرنسية وصفت هذه المؤامرة بأنها عودة لـ”إرهاب الدولة الإيراني” في أوروبا. فمنذ 2015، كانت هناك مؤشرات على أن أجهزة إيران عادت لاستهداف شخصيات محددة في أوروبا، خاصة مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وحماس. حيث أن القضية تهدف إلى خلق حالة من الخوف والذعر ليس فقط بين اليهود في فرنسا وألمانيا، ولكن أيضًا بين معارضي النظام الإيراني في الخارج.
كما أن أحد التفاصيل المثيرة في هذه المؤامرة هو استخدام أفراد العصابات الأوروبية لتنفيذ هذه الاغتيالات. ففي مشهد يعيد إلى الأذهان قصص الأفلام التي تتناول الشبكات الإجرامية والمخابرات السرية، تتهم إيران بتجنيد مجرمين متخصصين، مثل تجار المخدرات، لتجنيدهم في عمليات اغتيال مقابل المال.
صابرينا: دور غير متوقع في المؤامرة
صابرينا ب.، زوجة عبد الكريم، البالغة من العمر 33 عامًا، وُجهت إليها نفس التهم بتورطها في تشكيل “عصابة أشرار إرهابية إجرامية”. ومع أن التفاصيل حول دورها الدقيق لا تزال غير واضحة، إلا أن المتابعين للقضية يتساءلون عن كيف يمكن لزوجة عادية أن تتحول إلى شريك في مخطط إرهابي دولي؟. وهل كانت صابرينا متورطة بشكل مباشر في التخطيط؟ أم أنها كانت مجرد أداة في يد زوجها والمخابرات الإيرانية؟. ولا تزال الأسئلة عالقة، لكن المحققين في باريس يواصلون تفكيك خيوط هذه المؤامرة المعقدة.
المخاوف المتزايدة في أوروبا
مع استمرار التحقيقات، تبرز أسئلة حول مستقبل الأمن في أوروبا في ظل تزايد التهديدات المتطرفة. فهل عادت إيران إلى ممارساتها القديمة في استهداف المعارضين والنشطاء اليهود في الخارج؟ وما الذي دفع زوجين جزائريين للمشاركة في هذا المخطط؟
بالنسبة لفرنسا وألمانيا، فإن هذه القضية تزيد من المخاوف المتعلقة بالأمن الداخلي وتهديدات الإرهاب. فبينما تحاول الدول الأوروبية التركيز على قضايا مثل الاقتصاد والهجرة، تأتي مثل هذه القضايا لتذكيرها بأن خطر الإرهاب ما زال حاضرًا، حتى لو تغيرت الوجوه والطرق.
العالم الحقيقي أوفيلم تجسس؟
قضية “ماركو بولو” ليست مجرد قصة إجرامية عادية، بل هي دليل على مدى تعقيد عالم الإرهاب والسياسة الدولية. من مرسيليا إلى طهران، ومن أحياء الجزائر إلى شوارع باريس، تتشابك الخيوط في مؤامرة تحمل طابع الأفلام، لكنها للأسف ليست مجرد خيال.
وبينما تستمر التحقيقات، يبقى السؤال الأكبر: كيف تحوّل مجرم محلي وزوجته إلى أدوات في لعبة دولية معقدة؟ وهل هناك المزيد من “ماركو بولو” ينتظرون دورهم في هذه المسرحية الدموية؟. ربما تكشف الأيام القادمة عن مزيد من الأسرار… أوربما، كما هو الحال في عالم الجريمة، تظل بعض الأمور غامضة إلى الأبد.