فاجعة تهز الوجدان وتطرح أسئلة صادمة
في لحظة اختلط فيها الصمت بالذعر، والصراخ بأزيز اللهب، استيقظ حي قاعة بناهيض بالمدينة العتيقة لمراكش، فجر الثلاثاء الماضي، على وقع فاجعة مأساوية هزّت القلوب وأثارت موجة من الحزن والأسى، بعدما أقدم شاب ثلاثيني، في لحظة وصفت بـ”الهيستيرية”، على إشعال النار في جسده داخل منزله، منهيا حياته بطريقة مروعة أمام أنظار أسرته وسكان الحي.
حوالي الساعة الرابعة فجرا، بدأ المشهد المأساوي يتشكل حين قام الشاب بإخراج والدته المسنة، البالغة من العمر نحو سبعين عاما، من المنزل الكائن بدرب العكاري، قبل أن يتحصن بداخله ويبدأ بتهديدات صادمة بنسف المنزل باستعمال قنينة الغاز، في سلوك يدل على حالة نفسية شديدة الاضطراب.
ما إن وصلت إشارات الاستغاثة إلى السلطات، حتى هرعت إلى المكان فرق أمنية متعددة، تضم عناصر من الدائرتين الأمنيتين الثانية والرابعة، إلى جانب الشرطة القضائية وفرقة مكافحة العصابات، في محاولة لإيقاف الشاب عن تنفيذ تهديداته. لكن محاولات التهدئة والحوار باءت بالفشل أمام حالة الهياج الشديد التي كان عليها.
وفي لحظة مأساوية، فتح الشاب صمام قنينة الغاز، وأشعل النار في نفسه وسط صدمة كل من كان حاضرا، ليلف جسده اللهيب وسط صرخات اليأس والعجز.
تدخلت عناصر الوقاية المدنية على وجه السرعة، وتمكنت من إخماد النيران ونقل الضحية على الفور إلى مستعجلات المستشفى الجامعي محمد السادس، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة دقائق بعد وصوله، متأثرا بالحروق البليغة التي أصيب بها.
باشرت السلطات الأمنية تحقيقا معمقا في الواقعة تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك لتحديد ملابسات الحادث وأسبابه النفسية والاجتماعية المحتملة، في انتظار الكشف عن النتائج التي قد تسلط الضوء على خبايا هذا السلوك المأساوي.
حادثة هذا الشاب ليست مجرد خبر عابر أو سطر إضافي في سجل الحوادث؛ بل هي جرس إنذار مؤلم حول هشاشة الصحة النفسية لدى بعض أفراد المجتمع، ومؤشر صادم على عمق الأزمات التي قد تدفع بالإنسان إلى التهلكة.
لقد ترك هذا الحريق جراحا لا تندمل في قلوب سكان الحي، وطرح تساؤلات جدية حول واقع الدعم النفسي والاجتماعي في بلادنا. كيف يصل إنسان في ريعان شبابه إلى هذا الحد من اليأس؟ وأين كانت يد المساعدة حين اشتدت الظلمة في داخله؟
إنها فاجعة تتطلب منا التوقف، ليس فقط للتأمل، بل للتحرك.. فربما لا يزال هناك بيننا من يحتاج إلى إنقاذ قبل أن يضرم النار في صمته.