تتخبط فرنسا في أزمة سياسية غير مسبوقة، حيث تمر البلاد منذ ستة أسابيع بمرحلة فراغ حكومي حاد. الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي فقد الأغلبية في الجمعية الوطنية بعد قرار حلها، لم ينجح بعد في تشكيل حكومة جديدة، مما يثير تساؤلات حول مصير البلاد في ظل اقتراب استحقاقات مالية هامة.
بعد استقالة حكومة غابرييل أتال في منتصف يوليو/تموز، تم تكليف الحكومة بتسيير الأعمال بشكل مؤقت. ومع ذلك، يرفض ماكرون تعيين رئيس للوزراء من ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة (اليسار)، الذي حل في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة، رغم عدم تحقيقه للأغلبية المطلقة.
وفي خطوة جديدة، دعا ماكرون زعماء الأحزاب إلى سلسلة من المباحثات عقب انتهاء دورة الألعاب الأولمبية، ولكنه عبر عن تردده في المضي قدماً، قائلاً إن “عودة الحياة إلى طبيعتها ليست محط اهتمامنا حالياً”.
وتسود حالة من الاستياء في الأوساط السياسية، حيث يهدد حزب فرنسا الأبية (اليسار الراديكالي)، القوة الرئيسية في الجبهة الشعبية الجديدة، بإجراءات لإقالة الرئيس ماكرون. بعدما اتهمه بـ”الانقلاب على الديمقراطية” ويرفض الامتثال لنتائج الانتخابات. ومع ذلك، يبدو أن هذه المبادرة تواجه صعوبة في كسب الدعم الكافي داخل اليسار، مما يعكس الانقسام السياسي العميق في البلاد.
إلى جانب التحديات السياسية، تواجه فرنسا أيضاً ضغوطاً مالية. فمع اقتراب الموعد النهائي لتقديم خطة لخفض العجز إلى بروكسل بحلول 20 سبتمبر/أيلول، وضرورة تقديم مشروع الموازنة لعام 2025 في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، يتعاظم القلق بشأن قدرة الحكومة المستقبلية على تنفيذ تدابير تقشفية ضرورية.
وبينما تسير الدول الأوروبية الأخرى بنجاح على طرق مشابهة من دون حكومات مستقرة لمدد طويلة، كما في بلجيكا، يبقى الوضع في فرنسا معقداً. وأشار المحلل السياسي فرنسوا ميكيه مارتي إلى أن ماكرون يتطلع إلى تحالفات جديدة قد تستغرق وقتاً أطول من المتوقع. وأكد أن الوقت ليس في صالحه، داعياً الرئيس إلى الاستماع للناخبين الفرنسيين وتعيين رئيس وزراء يعكس خياراتهم.
وفي السياق ذاته، تعتبر المحللة السياسية آن شارلين بيزينا أن تزايد نفاد الصبر في فرنسا ناتج عن عدم بروز مرشح قوي لمنصب رئيس الوزراء، مشيرة إلى أن النظام السياسي الفرنسي يتسم بالبطء في الوصول إلى توافقات حاسمة.
كما يؤكد خبراء أن ثقافة التسوية السياسية قد تظهر عندما يواجه البلاد مأزقاً، ولكن حتى الآن، يبدو أن فرنسا بعيدة عن تحقيق نموذج تحالف فعال.