باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه الأكرمين
السيدات والسادة الوزراء،
السيدات والسادة رؤساء وممثلي هيئات الحكامة،
السيدات والسادة ممثلي وكالات الأمم المتحدة،
السيدات والسادة البرلمانيين،
الحضور الكريم،
يسعدني أن أفتتح معكن ومعكم أشغال الدورة الثانية للمنتدى البرلماني السنوي للمساواة والمناصفة المكللة، على غرار الدورة الأولى، بالرعاية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي يرعى ويحرص على صيانة حقوق المرأة وإنصافها كما يرعى المساواة بين النساء والرجال.
وبالفعل، فإنه على مدى 26 عامًا من حكم جلالته، كانت قضايا النساء وحقوقهن، والتمكين لهن، في صلب الإصلاحات التي اعتمدتها المملكة، ومنها الإصلاحات الدستورية التي جعلت من المساواة بين الرجل والمرأة في الحريات والحقوق الأساسية أحكاما مركزية والْتقائية مع ما ترتب، وسيترتب، عن ذلك من إصلاحات ومداخل مؤسساتية وتشريعية وتنظيمية وقرارات تنفيذية.
وإذا كان لنا أن نفخر، اليوم، بما حققته بلادنا على هذا الطريق، طريق التمكين متعدد الأوجه للنساء وإنصافهن، فإنه يتعين علينا العمل باجتهاد أكبر في الأفق المتقدم والراقي لأحكام الدستور، و طموحات المجتمع نفسه، وفي قلبه الطموح المشروع لنساء المغرب في المساواة والمناصفة مع الرجال.
ففي ظرف ربع قرن فقط، أنجز المغرب إصلاحات جوهرية على هذا الطريق من عناوينها:
1. مدونة أسرة في سنة 2004، فلسفتها المسؤولية المشتركة لأطراف الأسرة، وجعل النساء مشاركات على قدم المساواة مع الرجال، في القرار الأسري وتدبير أحوال ومآلات الأسرة، ثم فتح ورش مراجعة هذه المدونة وفق منهجية الإشراك والتشاور والإصغاء لمكونات المجتمع في 2023؛
2. تشريعات متقدمة لحماية النساء من العنف بمختلف أشكاله؛
3. تشريعات لتكريس التمييز الإيجابي لفائدة النساء لتمكينهن من ولوج مراكز القرار والمؤسسات التمثيلية والتداولية وطنيا وترابيا؛
4. سياسات وبرامج عمومية تجعل المرأة في صلب التنمية، إنجازا واستفادة؛
5. الحرص على أن تتبوأ النساء مراكز القرار التنفيذي مركزيا وترابيا؛
6. سياسات إرادية في مجال التعليم بدءًا من التعليم الأولي، حيث تحققت مؤشرات جد إيجابية من أهمها انتقال نسبة الطفلات اللواتي يلجن التعليم الأولي، في ظرف سبع سنوات، إلى 93 %؛
7. تثمين وتحفيزات ملموسة رفعت عدد النساء اللاتي يُعِلْنَ أسرة أو تساهمن في إعالتها من موارد ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي إلى أكثر من 270 ألف، سيدة، الأغلبية الساحقة منهن في الوسط القروي.
وإذا كان ما تحقق يدعو للارتياح، فإنه بالتأكيد غير كاف، ويسائلنا جميعا ويضعنا أمام مسؤوليات تغيير التمثلات المجتمعية عن قضية المساواة والمناصفة، وتحويل هذا المبدأ، وهذه القيمة، إلى مُكَوِّنٍ ثقافي وسلوكٍ اجتماعي، يَتَمَلَّكُهُ الجميع، ويتصرف الفاعلونَ السياسيون والمؤسساتيون والمدنيون على أساسه في قراراتهم.
وينبغي لنا في هذا الصدد، أن نبنيَ على التراكم في الإصلاح، ونتجنبَ التجاذبات في قضية مجتمعية هي على درجة من النبل والشرعية والقيمة التاريخية، ما يفرض علينا التوافق والاحتكام إلى الدستور بشأنها، وتَمَثُّلَ فلسفةِ حُكْمِ صاحبِ الجلالة نصره الله وحرصه على المساواة والإنصاف، وهو الذي شدد على أن المشاركة الواسعة للمرأة في المؤسسات تتطلب – يقول جلالته – “نهضة شاملة وتحولا عميقا في العقليات البالية والوعي الجماعي، وفتح المجال أمام المرأة بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية بما أبانت عنه من جدارة واستقامة وتفان في خدمة الصالح العام”.
وفي هذا الباب ينبغي لنا أيضا أن نؤسس على المكاسب المقدرة المحققة خلال العشريتين الأخيرتين. فقد انتقل عدد النساء في مجلس النواب، مثلا، من نائبتين في سنة 1993 إلى 35 سيدة في 2002، وإلى 96 سيدة عضو في المجلس الحالي أي بنسبة 24.30 في المائة. وارتفعت نسب عضوية النساء في الوحدات الترابية، من 2.21% في المجالس الجهوية سنة 2009 إلى 37.61%سنة 2015 ثم إلى 38.50% في 2021، وفي المجالس الإقليمية من 2.25% سنة 2009، ثم 4.18% سنة 2015 إلى 35.60%سنة 2021، وفي الجماعات المحلية من 12.33%سنة 2009 إلى 21.18% سنة 2015 و26.64 %حاليا.
إنها مؤشرات جد دالة على التطور الملحوظ الذي حققته بلادنا في مجال التمكين السياسي للنساء وتيسير حضورهن في المؤسسات التداولية التمثيلية. وهي تجسد بالملموس أثر إعمال التشريعات الإرادية والذكية التي اعتمدتها بلادنا.
وبالتأكيد، فإن ما تحقق، ومقارنة حتى مع الممارسات الدولية المقارنة في البلدان ذات التقاليد الديموقراطية العريقة، واعد ودليل على أننا نسير في الطريق الصحيح، الطريق إلى المناصفة والمساواة الذي ما يزال طويلا وشاقا بالتأكيد، ولكنه طريق آمن ومبني على أسس متينة.
وعلينا أن نَبْنِيَ على هذا المنجز من تواجد النساء في الهيئات التمثيلية الجهوية والإقليمية والمحلية، باعتبارها مشتلا لاستنبات النخب، لمواصلة المسار إلى هدف المناصفة.
وحيث إن هذا الهدف مشمول بعناية ملكية فائقة، ويعتبر مشتركا سياسيا بين مكونات الحقل الحزبي الوطني، فإنه يضعنا أمام مسؤوليات عديدة منها:
1. مسؤولية تمثل مبادئ المناصفة والمساواة والانصاف والتمكين وجعلها الْتقائية في العمل العمومي السياسي والمدني وترسيخ هذه الثقافة في المجتمع، والتربية عليها وجعلها جزءا من تنشئتنا الاجتماعية وفي ثقافتنا السياسية.
2. التعبئة الجماعية من أجل تثمين تجارب النساء البرلمانيات بعد انقضاء فترة انتدابهن، وجعل هذه الكفاءات رافدا لمشروع وطني للتداول بين النخب وإعادة تدويرها وفتح المجال أمامها.
وإذا كان عدد عضوات مجلس النواب المتراكم منذ 1993، يبلغ 318 برلمانية، تمرسن على العمل البرلماني والسياسي واكتسبن خبرات ميدانية، فإنه ينبغي استثمار هذه الكفاءات وتحفيزها على مواصلة الاشتغال في المجال العام، وجعلها مساهمة في تغذية وتطوير العمل السياسي والمدني والمؤسساتي.
أقول هذا، وقد تأكدت على مدى سنوات من العمل البرلماني والترابي، وفي رئاسة المؤسسة، من جدية وكفاءة والتزام الزميلات المنتخبات ومساهمتهن في إغناء العمل البرلماني والنقاش العمومي وأداء الواجب الانتدابي.
السيدات والسادة،
فضلا عن قيمة ورمزية تواجد النساء في مراكز القرار السياسي والمؤسساتي باعتباره أحد مؤشرات التطور الديموقراطي، فإن التمكين السياسي للنساء يعني استثمارا لكفاءات، قد تكون معطلة، ولاجتهادات تفيد التنمية والتقدم، وإطلاقًا لطاقات تحتاجها التنمية، كما تحتاجها الديموقراطية التمثيلية.
يتعلق الأمر إذن بحاجة وطنية وبحقوق أساسية وبضرورة للتنمية المحتاجة إلى ذكاء نساء المغرب كما شبابه ورجاله في سياق الصعود الجاري إنجازه بثبات.
آمل أن تشكل هذه الدورة حلقة أخرى في مسار التفكير الجماعي لتحقيق مكاسب جديدة في إطار التوافق، بما يعزز الإصلاحات وصعود بلادنا متعدد الأوجه كما يرعاه ويقوده صاحب الجلالة نصره الله.
شكرا على المشاركة والإصغاء.
