العربية.ما alaarabiya.ma

كينيا تقترب من دعم مغربية الصحراء

حسابات سياسية واقتصادية تغير ميزان القوى في شمال إفريقيا

alt=
العربية.ما - العربي حجاج

تشهد العلاقات بين المملكة المغربية وكينيا تحولاً جذرياً يعكس تغيرات استراتيجية في المشهد الجيوسياسي الإفريقي. فبعد عقود من التأييد الكيني لجبهة البوليساريو، يبدو أن نيروبي تستعد لإعادة تقييم موقفها التاريخي، ما يمثل ضربة دبلوماسية موجعة للانفصاليين وداعميهم في الجزائر.

حسابات سياسية واقتصادية تغير ميزان القوى في شمال إفريقي

 تحولات استراتيجية: من الشراكة الاقتصادية إلى الدعم السياسي

دخلت العلاقات المغربية الكينية مرحلة جديدة، تُوجت بتعيين جيسيكا موتوني غاكينا سفيرة فوق العادة ومفوضة كينيا لدى الرباط، في خطوة، اعتبرها التقارير، لم تكن لتحدث دون تحولات عميقة في توجهات السياسة الخارجية الكينية. فقد حرصت نيروبي، في الأشهر الأخيرة، على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع المغرب، لا سيما في مجال الزراعة والأسمدة، في إطار خطة أوسع لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنمية القطاع الزراعي.

ومنذ توليه السلطة في سبتمبر 2022، أبدى الرئيس الكيني ويليام روتو اهتمامًا خاصًا بتطوير العلاقات مع المغرب. وتجلت هذه الإرادة السياسية في الزيارات المتبادلة والاجتماعات رفيعة المستوى، حيث أجرى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مباحثات مكثفة مع نظرائه الكينيين، بل وحتى مع الرئيس روتو نفسه، خلال زيارته إلى نيروبي في مايو 2023، ما أشار إلى أن هذه التحركات ليست سوى مقدمة لتغيير أكبر في المواقف السياسية.

المصالح الاقتصادية: دافع أساسي للتقارب

تُعد كينيا إحدى الدول الإفريقية التي تعتمد بشكل كبير على القطاع الزراعي، وهو ما يفسر حرصها على تعزيز شراكاتها مع المغرب في هذا المجال. وقد جاءت زيارة وزير الفلاحة الكيني ميثيكا لينتوري إلى المغرب بهدف إتمام صفقة إنشاء مصنع للأسمدة، لتعكس حجم الطموحات الاقتصادية المشتركة بين البلدين. هذه الشراكة المرتقبة ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل تحمل في طياتها دلالات سياسية قد تعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة.

وتأمل نيروبي في الاستفادة من خبرات المغرب الذي يمتلك تجربة واسعة في إنتاج الأسمدة وتطوير تقنيات زراعية حديثة. ومن خلال التعاون مع الرباط، ستعزز كينيا قدراتها الإنتاجية وتحقيق اكتفائها الذاتي في مجال الأسمدة، وهو ما يعتبره العديد من المراقبين دافعًا أساسيًا وراء التقارب بين البلدين. فكينيا، التي تعاني من ارتفاع تكاليف الاستيراد، ترى في التعاون مع المغرب فرصة لتقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية وتعزيز قدرتها التنافسية.

تداعيات سياسية: تقليص نفوذ البوليساريو في إفريقيا

إذا ما اتخذت كينيا خطوة الاعتراف بمغربية الصحراء، فسيكون لذلك تأثيرات واسعة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمن شأن هذا التحول أن يضعف موقف جبهة البوليساريو، التي تعتمد بشكل كبير على الدعم السياسي والدبلوماسي من عدد محدود من الدول الإفريقية، وعلى رأسها الجزائر. وكان الدعم الكيني التقليدي للبوليساريو من بين ركائز التحالفات التي ساهمت في إطالة أمد النزاع حول الصحراء المغربية، وبالتالي فإن سحب كينيا لهذا الدعم سيعزز من عزلة الجبهة.

كما أن الجزائر، التي تعتبر الداعم الرئيسي للبوليساريو، لم تخفِ قلقها من هذا التقارب المغربي الكيني. فقد قام وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بزيارة إلى نيروبي في أبريل 2023، في محاولة لاحتواء هذه التحركات، لكن نتائج هذه الزيارة لم تكن مرضية بالنسبة للجزائر. فالمؤشرات القادمة من نيروبي توحي بأن كينيا ماضية في طريقها نحو دعم الوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يمثل انتكاسة جديدة للدبلوماسية الجزائرية.

 الآفاق المستقبلية: شراكة استراتيجية أم تقارب تكتيكي؟

يبقى السؤال مطروحًا حول مدى استدامة هذا التقارب بين الرباط ونيروبي، وما إذا كان سيترجم إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد أم أنه مجرد تقارب تكتيكي مدفوع بالمصالح الاقتصادية الظرفية. وفي حال استمرار هذه الدينامية، فإنها قد تفتح الباب أمام مزيد من الدول الإفريقية لإعادة النظر في مواقفها من قضية الصحراء المغربية، خصوصًا في ظل تزايد التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كحل لإنهاء النزاع.

ومن جهته، أبدى الرئيس الكيني، ويليام روتو، استعداد بلاده لتعزيز العلاقات مع المغرب في مجالات متعددة مثل التجارة والصحة والطاقة، ويبدو أنه مقتنع بأن هذا التحول سيفيد كينيا على المدى الطويل. وفي ظل تحسن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، يبقى احتمال إعلان نيروبي دعمها لمغربية الصحراء واردًا بقوة، ما سيشكل لحظة فارقة في الصراع الدائر حول هذا الإقليم.

حسابات جديدة في مشهد إفريقي متغير

التحولات التي تشهدها العلاقات المغربية الكينية تعكس ديناميات جديدة في السياسة الإفريقية، حيث باتت المصالح الاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل التحالفات السياسية. وفي هذا السياق، يبدو أن الرباط استطاعت أن تفتح جبهة دبلوماسية جديدة قد تساهم في تعزيز موقفها في نزاع الصحراء، في وقت تتزايد فيه عزلة البوليساريو على الساحة الدولية.

إذن، نحن أمام مشهد إفريقي متغير، حيث تسعى الدول إلى تحقيق مصالحها عبر بناء شراكات استراتيجية قائمة على المنفعة المتبادلة، بعيدًا عن الأيديولوجيات القديمة التي كانت تهيمن على العلاقات بين الدول. وفي هذا السياق، يبقى السؤال مفتوحًا حول الدور الذي ستلعبه كينيا في مستقبل الصراع حول الصحراء المغربية، وما إذا كانت ستتمكن من تحويل هذا التقارب مع الرباط إلى شراكة استراتيجية تعيد ترتيب الأوراق في شمال إفريقيا؟.

المصدرالعربية.ما
Exit mobile version