في خطوة قضائية غير مسبوقة، أصدرت محكمة النقض قرارًا خلال السنة الماضية يقضي بشرعية استخدام تطبيق “واتساب” كوسيلة لإبلاغ المشغل بحالات غياب الأجير الناتجة عن المرض. هذا القرار أثار نقاشًا واسعًا في الأوساط القانونية، بعدما رفضت محكمة الاستئناف سابقًا الاعتراف بصحة هذه الوسيلة كأداة تواصل رسمية لإشعار المشغل.
وأكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، أن هذا الحكم يأتي في إطار سلسلة من القرارات الجريئة التي تهدف إلى تأطير العمل القضائي بالمحاكم وتوحيد الاجتهاد، بما يعزز الأمن القضائي ويواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة في بيئة العمل.
القضية المثيرة تتعلق بأجيرة تغيبت عن عملها لمدة ستة أيام نتيجة خضوعها لعملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم من الدماغ. وقد أرفقت الأجيرة شهادتين طبيتين تؤكدان حاجتها إلى فترة نقاهة إجمالية تصل إلى 34 يومًا. وأبلغت مشغلتها بهذا الأمر من خلال إرسال الوثائق الطبية عبر تطبيق “واتساب”، وهو وسيلة تواصل معتمدة داخل الشركة.
رغم تلقي المسؤول المباشر في الشركة الإشعار، زعمت المشغلة أن الأجيرة غادرت العمل دون تقديم أي مبرر، مما دفع المحكمة الابتدائية والاستئنافية إلى رفض الدعوى استنادًا إلى عدم كفاية الأدلة.
قرار محكمة النقض
في مراجعتها للقضية، اعتبرت الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض أن استخدام “واتساب” في هذه الحالة وسيلة مشروعة لإبلاغ المشغل، خاصة وأن التطبيق كان معتمدًا ضمن وسائل التواصل داخل الشركة. وأكدت المحكمة أن ادعاءات المشغلة بعدم تلقيها إشعارًا يفتقر إلى التعليل الكافي، مما استوجب نقض الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف.
يعد هذا القرار علامة فارقة في العمل القضائي بالمغرب، حيث يفتح الباب أمام اعتراف أوسع بالتقنيات الحديثة كأدوات قانونية في إطار العلاقة الشغلية. كما أنه يعزز حقوق الأجراء في إيصال إشعاراتهم بطريقة فعالة، خصوصًا في حالات الطوارئ الصحية.
مع تزايد اعتماد التطبيقات التكنولوجية في الحياة اليومية، قد يشكل هذا الحكم أساسًا لتطوير الإطار القانوني الذي ينظم وسائل التواصل في العمل. ويرى خبراء أن هذا القرار يعكس مرونة القضاء المغربي في التفاعل مع المستجدات التقنية وتوظيفها لضمان عدالة أكثر شمولًا وإنصافًا.
ختامًا، يُبرز قرار محكمة النقض أهمية التكيّف مع التغيرات الحديثة، ليصبح القضاء المغربي نموذجًا يُحتذى به في مواكبة التحولات الرقمية بما يخدم العدالة وحقوق الأطراف.