العربية.ما alaarabiya.ma

ميشيل بارنييه: رهان ماكرون على “يمين معتدل” لتجاوز الانقسام السياسي في فرنسا

alt=
العربية.ما - العربي حجاج

عادت شخصية ميشيل بارنييه إلى الواجهة كإحدى الركائز التي يعول عليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجسر الفجوة السياسية بين التيارات المتضاربة. وذلك في ظل التوتر السياسي المستمر الذي يهيمن على المشهد السياسي الفرنسي منذ فترة طويلة. حيث ظهر بارنييه، السياسي اليميني المعتدل وذو الخبرة الطويلة، كلاعب رئيسي في خطة ماكرون لتحقيق استقرار داخلي بعد سنوات من الاضطرابات والانقسامات.

المشهد السياسي المضطرب

تشهد فرنسا منذ عدة سنوات حالة من الاستقطاب الحاد بين اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، وهو ما أدى إلى إضعاف مركزية القوى السياسية التقليدية. وصعود تيارات شعبوية من اليمين المتطرف، بزعامة مارين لوبان، يرافقه وجود تيارات يسارية قوية تعارض سياسات ماكرون بشدة، مما أدى إلى صعوبة إيجاد توافق سياسي داخلي. ويتجلى هذا الانقسام في الشارع الفرنسي، حيث بات المواطنون يعانون من تباين سياسات الحكومات المتعاقبة وافتقارها إلى رؤية موحدة.

فماكرون، الذي جاء إلى الحكم في عام 2017 كمرشح مستقل غير مرتبط بالتقاليد السياسية التقليدية، حاول في البداية تقديم نفسه كوسط سياسي بين اليمين واليسار. ومع ذلك، فقد تعرض لانتقادات شديدة من مختلف الأطراف السياسية بسبب سياساته الاقتصادية والاجتماعية التي رآها البعض منحازة للأثرياء والطبقة العليا.

بارنييه.. رجل المرحلة؟

ميشيل بارنييه، البالغ من العمر 72 عامًا، ليس غريبًا على الساحة السياسية الفرنسية أوالأوروبية. فهو يعتبر أحد رموز اليمين المعتدل ويتميز بخبرته الطويلة في المفاوضات السياسية والدبلوماسية. واشتهر بدوره ككبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الإتحاد (بريكست)، حيث قاد مفاوضات معقدة وأدار حوارات حساسة مع المملكة المتحدة، مما أكسبه سمعة قوية كشخصية قادرة على إدارة الأزمات والتفاوض بنجاح.

كما أن اختيار ماكرون لبارنييه في هذا التوقيت يأتي استجابة لحاجة ملحة لرأب الصدع السياسي في فرنسا. حيث أن بارنييه لا يعتبر شخصية يمينية تقليدية تُثير المخاوف لدى اليسار، بل هو رجل يتمتع برؤية سياسية متزنة، ويحظى باحترام واسع من مختلف التيارات. لذلك، يُنظر إليه على أنه شخصية يمكن أن تشكل جسراً بين اليمين المعتدل واليسار التقليدي، وهو ما قد يساهم في استعادة الثقة المفقودة في النظام السياسي الفرنسي.

دور بارنييه المحتمل في المرحلة المقبلة

إذا تولى بارنييه دوراً رئيسياً في المشهد السياسي الفرنسي في المرحلة المقبلة، فإن هذا قد يؤدي إلى تحقيق بعض التوازن في سياسة ماكرون التي تفتقر إلى قاعدة دعم واسعة داخل البرلمان. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، أصبح التحدي الأساسي هو تقديم حلول سياسية مرضية للأطراف المتعددة. وهنا يأتي دور بارنييه كوسيط قادر على التوفيق بين مصالح الأطراف المتعارضة.

وقد يتمكن بارنييه من تقديم سياسات أكثر اعتدالاً تجاه الطبقة الوسطى والفئات الفقيرة، التي كانت تشعر بالتهميش في ظل سياسات ماكرون الاقتصادية. كما قد يلجأ إلى توجيه مزيد من الاهتمام نحو إصلاحات تعزز من العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين مصالح رجال الأعمال والفئات العمالية.

ومن جهة أخرى، يُتوقع أن يواجه بارنييه تحديات كبيرة من قبل تيارات اليمين المتطرف التي تعتبره رمزاً للسياسات التقليدية التي يرفضونها. حيث أن لوبان وأنصارها قد يرون في وجود بارنييه عقبة أمام رؤيتهم “لفرنسا القومية”، وهو ما قد يشكل معركة سياسية جديدة.

التحالفات والتكتيكات السياسية

قد يحتاج بارنييه إلى تشكيل تحالفات قوية داخل البرلمان الفرنسي لضمان نجاح خطته. فالتحالف مع الأحزاب اليسارية المعتدلة، مثل الحزب الاشتراكي، قد يكون ضروريًا لتحقيق الاستقرار. كما قد يعتمد على علاقاته الأوروبية القوية لتعزيز الموقف الفرنسي داخل الاتحاد الأوروبي، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة.

وبفضل خبرته في الدبلوماسية الأوروبية، قد يتمكن بارنييه من لعب دور محوري في تعزيز موقع فرنسا كلاعب أساسي على الساحة الأوروبية والدولية. كما أن قدرته على إدارة ملفات معقدة مثل الهجرة والبيئة قد تساهم في تعزيز شعبيته داخليًا وخارجيًا.

تحديات مستقبلية

رغم أن ماكرون يرى في بارنييه حلاً محتملاً لرأب الانقسام السياسي، فإن المستقبل لا يخلو من التحديات. فالتوترات الاجتماعية المتزايدة، والاحتجاجات الشعبية التي تتصاعد بين الحين والآخر، والضغوط الاقتصادية التي تعاني منها البلاد قد تجعل مهمة بارنييه صعبة للغاية. إضافةً إلى ذلك، قد يواجه رفضاً من داخل حزبه نفسه، حيث يعتبر بعض التيارات اليمينية المتشددة أن التحالف مع اليسار قد يُضعف الموقف السياسي لليمين الفرنسي.

وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيكون ميشيل بارنييه الرجل المناسب لهذه المرحلة الحساسة من تاريخ فرنسا؟ وهل سيتمكن من تحقيق توازن سياسي في بلد يعاني من انقسامات عميقة؟

قد يبدو ماكرون واثقًا من قدرات بارنييه على تحقيق التغيير، ولكن فقط الزمن سيكشف ما إذا كان هذا الخيار سيكون مجديًا أم مجرد محاولة أخرى للتغلب على أزمات فرنسا السياسية.

فبارنييه يمثل، بالنسبة لماكرون، فرصة لتحقيق الاستقرار السياسي في وقت تواجه فيه فرنسا تحديات كبرى. مع خبرته الطويلة وسجله الحافل في السياسة والدبلوماسية، قد يكون بارنييه قادرًا على تقديم الحلول المطلوبة. لكن، يبقى السؤال الرئيسي حول مدى قدرة بارنييه على توحيد الصفوف وتهدئة الانقسامات، في وقت تتزايد فيه الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

المصدرالعربية.ما
Exit mobile version