الخط المغربي في عهد أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عهد النماء والازدهار
صدر للدكتور محمد البندوري كتاب بعنوان: الخط المغربي في عهد أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عهد النماء والازدهار، منشورات سميب للنشر والتوزيع، دار أبي رقراق للطباعة والنشر الرباط ، الطبعة الأولى سنة 2024 م .
يرصد الكتاب مظاهر التطور في الخط المغربي والزخرفة والحروفية في عهد الملك محمد السادس، من خلال عدة مداخل تشريعية وقانونية، ومؤسساتية، ومدنية جمعوية، وأكاديمية علمية. وقد رأت الدراسة في هذه المداخل محفزات مادية ومعنوية ورمزية لازدهار الخطوط بمختلف أصنافها (المبسوط، والمجوهر، والثُلثُ، والمدمج الدقيق، والصحراوي، والإفريقي)، والتجديد في بعضها كالخط المجوهر الجليل، والمبسوط الجليل(ص16).
على المستوى التشريعي، تم استصدار ظهائر ومراسم قوانين بالجريدة الرسمية، منظمة لأعمال مؤسسات تعنى بتعليم الخط والتكوين في فنونه مثل شعبة فن الخط بأكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء، وبمدرسة الصهريج بفاس، ومؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف. إضافة إلى المرسوم الخاص بإحداث جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي لمكافأة أجود الخطاطين، وجائزة محمد السادس لفن الزخرفة، وجائزة محمد السادس لفن الحروفية لمكافأة الفنانين الحروفيين.
وتضطلع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برعاية أعمال الجوائز المكافئة من خلال “مصلحة تنظيم المسابقات بقسم الدراسات الإسلامية”، وإعداد الدليل المرجعي للجوائز؛ وتنظيم معارض للمخطوطات المغربية النادرة، ومعارض في فن الخط المغربي والزخرفة والحروفية. إضافة إلى طبع ونشر المؤلفات والكراسات ذات الصلة بالخط المغربي والزخرفة.
وعلى المستوى المدني، سجل الكتاب ظهور عدد كبير من الجمعيات والدور الفنية التي تعنى بالخط والزخرفة والحروفية. كما تعنى بشرائح المنتسبين إليها من الشيوخ والأساتذة والطلبة والهواة والمبتدئين. وتساهم الجمعيات في مسيرة النماء بتنظيم الملتقيات والمؤتمرات والمعارض، وتنظيم المسابقات وورشات فنية وتقنية. إضافة إلى تنظيم سوق اقتصادية بأدوات الخط التقليدية والعصرية. وقد عرف الكتاب بحوالى ثماني عشْرة جمعية وطنية ومحلية في مدن المغرب (صص: 42-50)
على المستوى العلمي، قدم الكتاب كشفا بأسماء المؤلفات والدراسات والبحوث العانية بالخط تأريخا وتنظيرا وممارسة (صص53-55).
وفي مجال تعليم الخط وتقوية المهارات الكتابية، توقف د.محمد البندوري عند الكراسات التعليمية لفن الخط (صص:59-61)، مما كان له الأثر البالغ على مسيرة الخط المغربي تقعيدا وضبطا وتقييدا وجمالا. كما توقف عند منجزات التقعيد الخطي بكل أنواعه من خلال المؤلفات والكراسات التي تعنى بصياغة مقاييس الخطوط وتحديدها وتركيبها وهندستها(صص68-94). ويعرض هذا الفصل لعمل بيبليوغرافي مهم عن أسامي الكتب والمصنفات في فن الخط ونقده.
وفي فصل بعنوان (التحولات الفنية في الخط المغربي في عهد الملك محمد السادس)، رصد الباحث تشكل وعي نقدي بالبلاغة البصرية في الوسط الثقافي المعاصر، وانخراط الخطاطين في دينامية التشكيل الجمالي والروحي بارتقاء “الوجدان من الجميل إلى الجليل”(ص98). وفي غمرة هذه الدينامية، برزت على الساحة الخطية أساليب إبداعية جديدة على مستويات التركيب والمقاطع واختزال المساحة وتنويع الفضاء الحروفي، في تناغم تام مع المقومات الحضارية والتاريخية(99). وبسبب من هذا الوعي والدينامية الجمالية، أمكن للخطاب الخطي برمزيته ودلالاته، التحول إلى “رؤية فاعلة ومتفاعلة”، بالتفاعل “مع المادة التراثية المغربية الأصيلة” من حيث صياغة الحروف المغربية، وكيفية تشكلها، والمحافظة على خصوصيات الخط المغربي وأسلوب كتابته، وتناغم مادته مع شكله؛ والتفاعل من جهة ثانية، مع الصيرورة التنموية الاقتصادية والحضارية ؛ وفاعلة في علم الصناعة الخطية طالما أن أهل الخط أبصر به من العلماء بآلته. مما استحال حسب هذا الكتاب لجماليات فاتنة(102)
ومن نتائج هذه التحولات الفنية :
- ظهور بلاغة خطية وحروفية تجمع بين “ملكة الخيال والحروفية وفنون البلاغة والتشكيل” و”بسط الفكر والثقافة”، بالانفتاح على الفنون الأخرى(107) كالزخرفة(117)، والاستفادة من التراث ومن العلوم الرياضية والهندسية(108). مما منح للتشكيل الخطي المغربي المعاصر بعدا تواصليا حضاريا مع الأقطار العربية الإسلامية، ومع الغرب.
- إنتاج مفردات خطية وقيم جمالية بخصائص معرفية وجمالية تمتح من التراث المغربي العريق، في ارتباط وثيق مع سياقات النقد الفني المعاصر(110)
- ظهور مبادرات جديدة في التشكيل الخطي بمعاني جديدة. ويرى الكتاب في “التجليل” في الأنواع الخطية تكلفا (111).
- إضافة محتويات جمالية متطورة للحرف المغربي بسبب من تنوع في الذوق الجمالي، أو باستحضار للأبعاد العلمية والمعرفية والهندسية في الاشتغال الخطي(114)
- الوعي الكبير بالمجال التقني في التنويع الهندسي للحروف بين الرمزي والإيقاعي والتجريدي (115)
- التحسيس بأهمية التراث الخطي المغربي ودوره الثقافي وحضوره الفني وأبعاده الجمالية من خلال جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي(116).
- توظيف العناصر البصرية في البناء الجمالي شكلا وجوهرا، واستخدام الفضاء الشكلي المفتوح، واعتماد المونوكروم واختلاف الألوان، ومحاكاة البنية الصورية الرَّقية القديمة(122)
- إن توظيف الخط المغربي في العمارة يكون قد أسهم في مزج الجمالي بالروحي، وتهذيب الذوق الفني(124). كما أن امتزاج الخط بصناعات الشعر والأعمال الفنية، وبحرف الخزف والخشب وغيرها، يجعلان من التشكيل الخطي في حوارية دلالية متنوعة مع فنون وصناعات مغربية أصيلة. مما عضد من طبيعة البلاغة البصرية المعقودة بالتشكيل والرؤية البصرية والذهنية، وبالتواصل الحضاري من جهة ثانية (126-128).
وبهذه الخصائص مجتمعة، أمكن للدكتور محمد البندوري الحديث عن توجه حروفي متنامي في تشكيلاته ودلالاته ضمن “نطاق سيمياء التواصل والدلالة والثقافة” الإسلامية القائمة على “الوضوح والإيجاز والجمال”(137). مما عمق من طبيعة العلاقة القائمة بين الإبداع وثقافة القيم الحروفية والجمالية الملتصقة بالمنحى البصري؛ ومنح للتشكيل الحروفي من الناحية الجمالية قيمة “تعادل قيمة النص الفكرية”(138). وقد أشار في هذا السياق لمشاريع خطية بديعة تقوم على “تقوسات واستدارات الحروف”، والتحوير في أشكالها ضمن أشكال جمالية تتواءم مع العصر(139)، ومحاكاة الصور، وتوظيف علامات الإعجام ضمن فضاءات الرؤية البصرية التي تسمح بنقل التجربة الخاصة وإحداث التفاعل الفني والفكري (140).
على أن هذا التجديد في تشكيل الخطوط وهندستها ظل في صلات وثيقة مع التراث من حيث استعادته للقيم الجمالية ذات المغزى الديني والروحي، أو من حيث الأدوات المستعملة من مداد وحبر وليقة(141). وقد أضافت الأشكال الخطية الجديدة، وبخاصة ذات التوجه التجريدي، مواد أخرى كالنحاس والخشب والزجاج والأقمشة(142). كما سمحت “حرية الخطاط” بتركيب أنواع الخطوط المغربية والمزج بين جماليات متنوعة ضمن صيغ جديدة (143-144). وهكذا جمعت التجربة الخطية المغربية المعاصرة بين “روح المعنى والجمال”(144). كما كانت “أداة جمالية للوصل والتواصل في سياقات مختلفة”(146).
وعليه، يسمح الرصيد الخطي المغربي في كتابة المصاحف الشريفة، والنصوص النثرية والشعرية، والجداريات واللوحات الحروفية، والتفنن في أشكالها وجمالياتها، الحديث مع كتاب البندوري عن “مدرسة خطية مغربية” بمقاييس عالية الجودة وصناعة الجمال(147).
في التفاتة جديرة بالتقدير والتنويه، استعرض مؤلف البندوري لسير الخطاطين والخطاطات، ووصل بالعد المرتب ترتيبا ألفبائيا إلى 420 من أعلام الخط، موزعة على فئة الخطاطين ب(324)، وفئة الخطاطات ب(96). وقد اكتفى بذكر بعض الأعلام دون تعريف. واعترف بصعوبة الوصول لبعض الأسماء، وإحجام بعضها عن التواصل وإتمام المعلومات. ولهذا السبب، ذيل مؤلفه ببعض النصائح العامة (279-281) من الكتاب والسنة وكتب التراث موجهة لجمهور الخطاطين قصد تخليق الحياة والعمل بمرافق القلم (كِرَاماٗ كَٰتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَۖ)[الانفطار/11].
بعد التعريف بكتاب د. محمد البندوري (الخط المغربي في عهد أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عهد النماء والازدهار) يمكن الخروج بالخلاصات التالية :
- يجمع كتاب د. محمد البندوري في الدراسة بين النقد والعرض والتحليل والتفسير للكتابة الخطية والحروفية المغربية المعاصرة تنظيرا وممارسة.
- كتاب د. محمد البندوري تأليف بيوغرافي مهم لأعلام الخط الذاتيين والمعنويين(الجمعيات) المعاصرين. ومن شأن إتمام المعلومات الخاصة بكل الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، أن يوفر للمكتبة المغربية قاعدة جيدة بالتراجم والمعطيات السيرية في هذا الباب.
- كتاب د. محمد البندوري هو أيضا عمل بيبليوغرافي غني بنصوص الخطاطين ولوحاتهم الفنية، وبأسماء المؤلفات والكراسات والمقالات المؤلفة في موضوع الخط تنظيرا وممارسة وتعليما ونقدا. كما يتضمن قائمة غنية بالمصادر والمراجع ذات الصلة.
- يقدم د.محمد البندوري بمؤلفه البديع مشروعا طموحا بشأن إعداد موسوعة خطية مغربية تشمل: الألفاظ المستعملة والمفردات الفنية؛ والتعريف بالمؤلفات والكراسات التعليمية والنقدية؛ والتعريف بأعلام الخط؛ والتعريف بأخلاق الخطاطين وأخلاق القلم؛ والتعريف بالبيداغوجية الخطية في تعليم الخط ومبادئه وثقافته وأخلاقياته.
والله تعالى أسأل التوفيق والسداد لهذا المشروع العلمي الطموح، ولصاحبه د. محمد البندوري نسيج دهره وأوحد زمانه في بديع الخط وجليل حروفيته.
حرر بمراكش في 15 ذي الحجة 1445هج الموافق ل 22 يونيو 2024 م