اهتزت لبنان، يوم الثلاثاء، 17 شتنبر 2024، بانفجارات فريدة من نوعها، صدرت، بشكل متزامن من أجهزة النداء الآلي (بيجر)، وخلفت وفيات وإصابات متفاوتة الخطورة لحوالي 3 آلاف في صفوف عناصر جماعة حزب الله اللبناني. وفي اليوم الموالي (الأربعاء 18 شتنبر) تجددت الانفجارات على أجهزة اللاسلكي المحمول مخلفة أيضا وفيات وأكثر من 300 إصابة استهدفت عناصر نفس الجماعة..
الحادث الأول: انفجار بيجر pager
1.الأماكن/المواقع المستهدفة:
ووقعت الانفجارات في عدة مواقع رئيسية تعد، حسب مصادر إعلامية، معاقل لحزب الله، بما في ذلك الضاحية الجنوبية لبيروت، ومناطق جنوب لبنان، والبقاع الشرقي.
حيث انفجرت أجهزة الاتصال التي يعتمد عليها عناصر حزب الله في التواصل الميداني، حيث يستخدمها المقاتلون والطواقم الصحية والإدارية. بديلا عن الأجهزة المحمولة، التي تتعرض للاختراق الإسرائيلي. وأفادت عدة مصادر أنه من بين المصابين يوجد سفير إيران لدى لبنان.
2.ما هو جهاز بيجر Pager؟
هو جهاز إلكتروني صغير يُستخدم لاستقبال الرسائل النصية أوالإشعارات من دون أن يرتبط بالانترنت، وقد استخدم بشكل منتشر في سنوات التسعينيات وبداية الألفية الجديدة كوسيلة اتصال أساسية وذلك قبل انتشار الهواتف المحمولة.
3.كيف يعمل جهاز بيجر؟
يعمل الجهاز بصورة بسيطة، حيث يقوم المستخدمون بإدخال رمز يتم نقله إلى مركز استقبال أونظام يقوم بإرسال إشعار إلى الجهاز. ويمكنه عرض الرسائل النصية أوإشعارات قصيرة، وفي بعض الأنواع يمكن الرد على الرسائل أوالاتصال برقم محدد. ويصدر البيجر صوت تنبيه أواهتزاز لتنبيه صاحبه بوجود رسالة، وبعد استقبال الرسالة، يمكن للمستخدم الاتصال بالرقم الموجود على شاشة البيجر للرد على الرسالة أوالتواصل مع المرسل. وتعتبر تقنية جهاز البيجر الآن قديمة نوعا ما مقارنة بوسائل الاتصال الحديثة، لكنها استخدمت بشكل واسع في الماضي. ورغم التراجع الكبير في استعمالها، بسبب انتشار الهواتف المحمولة الحديثة، لكنها بقيت تستخدم ببعض المجالات المختصة مثل المستشفيات والمرافق الصحية، حيث يكون مفيدا في الحالات التي تتطلب إشعارات سريعة وموثوقة.
4.سبب انفجار جهاز بيجر
ووفقا لمعلومات متداولة حول سبب انفجار أجهزة اتصال، فإن الاختراق ركز على بطارية الجهاز حتى تزداد حرارتها وتنفجر، خصوصاً وأن تقارير لبنانية تحدثت عن وصول أجهزة اتصال جديدة مشكوك بأمرها. كما أفادت قناة “ال بي سي” اللبنانية أنه، وفقا للمعلومات التي وصلتها، يرجح، بشكل أولي وتحليلي، أنه تم خرق سيرفرات أجهزة البيجر وتم تحميل سكريبت script عليها يقوم برفع الاستهلاك ما يتسبب برفع حرارة بطارية الليثيوم المزود بها الجهاز وهو ما أدى إلى انفجارها، والأضرار الجسدية المترتبة بسبب هذا الانفجار، يمكن أن تكون جسيمة أوخفيفة حسب المنطقة التي يكون بها الجهاز ملاصقا لها.
كما أوضح الإعلام العبري أنه وفق التقارير، فإن نوع المتفجرات التي تم إدخالها في الأجهزة هي مادة “PETN”، وهي واحدة من أقوى المتفجرات المعروفة في العالم. وهي مادة حساسة للحرارة والاحتكاك، وهذا ما يفسر انفجارها. وقالت مصادر أخرى أن الحرارة ارتفعت بعد تلقي رسائل خطية (ميساج) على الأجهزة، سواء تم فتحها أم لا. مما أدى إلى انفجارها تلقائياً بعد ثواني من وصول تلك الرسائل.
5.من هي الشركة المصنعة لـ”أجهزة بيجر”؟
كشفت شركة “غولد أبولو” التايوانية، اسم الشركة التي أنتجت تلك الأجهزة، ومقرها في دولة أوروبية. وقال، هسو تشينج كوانغ، مؤسس شركة غولد أبولو، التايوانية للصحفيين، يوم أمس الأربعاء، إن أجهزة المناداة (البيجر) التي انفجرت في لبنان، يوم الثلاثاء، “ليست من تصنيع الشركة”. وأضاف هسو، في تصريحات صحفية نقلتها رويترز، أن الأجهزة التي تعرضت للانفجار “صنعتها شركة في أوروبا لديها الحق في استخدام العلامة التجارية للشركة التايوانية”.
كما أوضحت الشركة في بيان، أنه فيما يتعلق بأجهزة الاتصال “بيجر طراز إيه آر 924 التي تم ذكرها بوسائل الإعلام، نود التوضيح أنه تم إنتاجها وبيعها بواسطة شركة باك (BAC)، التي يقع مقرها في عاصمة هنغاريا بودابست”.
وفي المقابل أعلن وزير الاتصالات والعلاقات الدولية الهنغاري، “زولتان كوفاتش”، أن أجهزة الاتصالات التي تم تسليمها إلى لبنان لم يتم توريدها من هنغاريا. وأكدت السلطات أن الشركة المعنية هي شركة بيع ليس لها موقع تصنيع أوتشغيل في هنغاريا. ولديها مدير واحد مسجل في عنوانها المعلن، ولم يتم تحديد موقع الأجهزة المعنية مطلقا في هنغاريا”.
دور إسرائيل في هذا الحادث؟
أفادت صحيفة “نيويورك تايمز”، نقلا عن مسؤولين أميركيين وآخرين لم تسمهم، قولهم إن أجهزة النداء اللاسلكية التي انفجرت “صنعتها شركة غولد أبولو التايوانية وفخختها إسرائيل قبل أن تصل إلى لبنان”. ونقلت ذات الصحيفة الأميركية أن “إسرائيل عبثت بأجهزة البيجر قبل وصولها إلى لبنان، من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات داخل كل منها”. كما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، وفقا لأشخاص مطلعين على تحقيقات حزب الله، أن التقييم الأولي يشير إلى أن أجهزة “البيجر” انفجرت لأن جهازا متفجرا زُرع في الطرازات الجديدة. ويشير هذا السيناريو إلى أن إسرائيل تمكنت من الوصول إلى سلسلة توريد حزب الله لتعديل الأجهزة التي تم تسليمها. ومن جانبه، حمل حزب الله إسرائيل مسؤولية التفجيرات، في بيان له عقب الحادث (يوم الثلاثاء)، وقال إنها “ستنال بالتأكيد قصاصها العادل”.
رأي خبراء:
يرى الخبير العسكري المصري ورئيس جهاز الاستطلاع المصري الأسبق، اللواء “محمد عبد المنعم” لـ RT، أن عملية تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي لحزب الله “بيجر” استخدمت فيها إسرائيل تقنية عالية الدقة، من خلال رصد الحيز الترددي لتلك الأجهزة ومن ثم استهدفها بموجات كهرومغناطيسية تتسبب قوة هذه الموجات في انفجار بطارية الجهاز وتسبب إصابات بالغة لمن يحمله، وهي نفس العملية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق أيام الغزو الأمريكي.
وكشف رئيس جهاز الاستطلاع المصري أن إسرائيل لا تمتلك هذه التقنية العالية، وأقصى ما تملكه إسرائيل هو تحديد الحيز الترددي للأجهزة فقط، أما استهداف الأجهزة اللاسلكية بالموجات الكهرومغناطيسية فهي عملية أمريكية، لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعد شريكة مع إسرائيل في تنفيذ العملية.
كما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” قول “روبرت غراهام”، الرئيس التنفيذي لشركة “إيراتا سكيريتي” Errata Security للأمن السيبراني في أتلانتا، أن “هناك احتمالا بأن قراصنة تلاعبوا بالبطاريات داخل أجهزة البيجر وجعلوها تنفجر عن طريق إرسال شفرة ضارة”. وهو السيناريو الأكثر ترجيحا حسب غراهام الذي افترض أن شحنة من أجهزة البيجر تم اعتراضها أثناء نقلها إلى وجهتها، وتم زرع المتفجرات بداخلها بالإضافة إلى شفرة ضارة، بحيث يتم تفجيرها بإرسال إشارة معينة.
ومن جانبه قال الخبير التكنولوجي “نضال ظريفة”، خلال مداخلة على قناة “القاهرة الإخبارية”: “بات من الواضح وجود دفعة محددة من أجهزة الإضاءة و”البيجر” التي تم تفجيرها عن بعد، عن طريق التدخل الفيزيائي وكذلك الكيميائي”. وأشار “ظريفة” إلى أن “هذه الدفعة من الأجهزة كان بها تلاعب فيزيائي، إما قبل التصنيع عن طريق موردين للشركة المصنعة، أوموردين لبعض القطع الإلكترونية في أثناء التصنيع أوخلال نقلها”. وأكد الخبير أن “التدخل الفيزيائي في أجهزة البيجر كان عن طريق إضافة مواد متفجرة للبطارية بشكل كيميائي أوبطريقة لا يمكن كشفها”. وأضاف “خلال الاستلام تم فحص الأجهزة ما يؤكد أنه تم إخفاء المواد المتفجرة، بحيث يمكن تفعيلها عن بعد بإشارة لاسلكية”. كما عبر ظريفة: “لا أعتقد أن الليثيوم هو المادة التي تم إضافتها لأجهزة البيجر التي انفجرت، لأن الليثيوم يسبب احتراقا ويرفع من درجة الحرارة، لكنه لا يتسبب في إحداث انفجار عنيف مثل الذي حدث”. وتساءل نضال: “هل هذه البطاريات كانت مدمجة ضمن الأجهزة التي انفجرت أم لا؟ إن كانت مدمجة بها، فبالتأكيد هناك تلاعب في البطارية عن طريق إضافة المواد المتفجرة داخل البطاريات”.
الحادث الثاني انفجار أجهزة اتصال لاسلكية:
انفجرت أجهزة اتصال لاسلكية محمولة؛ “الووكي توكي”، من نوع آيكوم، تستخدمها جماعة حزب الله، يوم أمس الأربعاء 18 شتنبر 2024، في جنوب لبنان.
مصدر الجهاز اللاسلكي المنفجر
يعود الجهاز اللاسلكي المنفجر الى شركة “آيكوم”، وهي شركة اتصالات لاسلكية وهاتفية مقرها اليابان -وفقا لموقعها على الإنترنت-. وقالت الشركة إن إنتاجها من النموذج (آي سي-في82)، الذي بدا مطابقا لتلك الأجهزة الموجودة في الصور الواردة من لبنان توقف إنتاجه تدريجيا في 2014.
كما أوضح مسؤولا في الفرع الأميركي للشركة (آيكوم أميركا) أن أجهزة الراديو التي انفجرت في لبنان تبدو كمنتجات مقلدة وليست مصنوعة من قبل “آيكوم”. وقال راي نوفاك، وهو مدير المبيعات في قسم أجهزة الراديو للهواة، في مقابلة، الأربعاء، مع وكالة أسوشيتد برس: “أستطيع أن أؤكد لكم أن هذه الأجهزة ليست من منتجاتنا”. وأوضح نوفاك أن “آيكوم” قدمت نموذج V82 من أجهزة الراديو ذات الاتجاهين منذ أكثر من عقدين، وتم إيقاف إنتاجه منذ فترة طويلة.
وقال مصدر أمني إن حزب الله اشترى أجهزة الاتصال اللاسلكي قبل خمسة أشهر، في الوقت ذاته تقريبا الذي اشترت فيه الجماعة أجهزة البيجر.
التشابه في الحادث الأول والثاني والحصيلة الثقيلة
يشير التشابه بين حوادث البيجر واللاسلكي إلى احتمال وجود تدخل ما على الأجهزة، وذلك في سلسلة توريد حزب الله. “ربما من خلال إدخال مكونات متفجرة أو شيفرة ضارة تسببت في التفجيرات”، حسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وعن الحصيلة الثقيلة التي خلفتها التفجيرات، قال وزير الصحة اللبناني، “فراس الأبيض”، اليوم الخميس، إن حصيلة ضحايا تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية خلال اليومين الماضيين بلغت 32 قتيلا وآلاف الجرحى. وأسفرت تفجيرات أمس الأربعاء عبر أجهزة لاسلكية من نوع أيكوم عن مقتل 20 شخصا وإصابة المئات، بينما أسفرت تفجيرات الثلاثاء، عبر أجهزة “البيجر” عن مقتل 12 شخصا وإصابة نحو 2800 آخرين، بينهم 300 بحالة حرجة. وعن نوع الإصابات الجسدية التي خلفتها الانفجارات فقد تركزت غالبيتها، كما سبق وأن أشار وزير الصحة اللبناني، في الوجه والبطن واليد والعيون.
مستقبل الأوضاع في المنطقة
جدّدت هذه التفجيرات المخاوف من توسّع التصعيد في المنطقة على خلفية الحرب المتواصلة في قطاع غزة. إذ منذ بدء الحرب في القطاع غزة قبل نحو عام، تشهد المنطقة الحدودية بين إسرائيل ولبنان تبادلا يوميا للقصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، ما أدى إلى نزوح عشرات آلاف المدنيين. وعلى المستوى العسكري/الحربي قالت شبكة “سي أن أن” أن التفجيرات أدت إلى “تحطم ميزة استراتيجية” تمتع بها حزب الله لفترة طويلة.
كما أن هذه الهجمات تُهدد بتصعيد النزاع المستمر بين الجانبين، ما قد يعقد الجهود الأميركية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وهو ما كان يمكن أن يفتح الباب لحل دبلوماسي ينهي التبادل اليومي تقريبا لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله.
وفي ذات السياق، أعلن حزب الله، يوم أمس الأربعاء، أنه سيواصل دعم حماس في غزة من خلال استهداف الجيش الإسرائيلي. كما ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في نفس اليوم (الأربعاء)، أن الحرب دخلت مرحلة جديدة ينتقل مركزها إلى منطقة الحدود الشمالية التي تشهد نقل المزيد من القوات والموارد. وهو ما رآه البعض وضعا يزيد من مخاوف التصعيد على الحدود مع لبنان وخطر اندلاع حرب إقليمية شاملة.
ردود الفعل العربية والدولية
اتهم وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” إسرائيل بأنها تدفع “المنطقة برمتها إلى هاوية حرب إقليمية” من خلال مواصلة التصعيد الخطير على عدة جبهات.
اجتماع مجلس الأمن الدولي
من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا، يوم غد الجمعة، لمناقشة التفجيرات الأخيرة في لبنان بطلب من الدول العربية.
الاتحاد الأوروبي يدين التفجيرات
أدان الاتحاد الأوروبي تفجيرات البيجر في لبنان التي أدت إلى “سقوط عشوائي للضحايا رغم أنها استهدفت جهة محددة على ما يبدو”، داعيا الأطراف المعنية إلى منع نشوب حرب واسعة في المنطقة.
وجاء في بيان صدر عن مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، يوم الأربعاء: “رغم أن التفجيرات على ما يبدو استهدفت جهة محددة، إلا أنها أدت إلى خسائر فادحة عرضية بين المدنيين بما فيهم الأطفال. هذا مقلق للغاية، ولا يمكنني إلا أن أدين هذه الاعتداءات التي تعرض أمن واستقرار لبنان للخطر وتزيد من خطر التصعيد في المنطقة”.
روسيا: تفجير أجهزة الاتصال في لبنان يتطلب تحقيقا دوليا
أكدت متحدثة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” أن تفجير أجهزة البيجر في لبنان يتطلب التحقيق والاهتمام الدولي. وقالت: إن “هذا التفجير بحاجة إلى إجراء تحقيق، ويجب على المتخصصين تشخيص ما حدث”.