ما بعد الثورة الرقمية والتكنولوجيا الحديثة وتطور الاتصالات وسهولة الحصول على المعلومات، أثر الاعلام الهادف والمدروس على حركة ووعي الشعوب، حتى أصبحت الكرة الأرضية كقرية كونية.
من هنا نلاحظ بعض التغيرات والتحولات بفعل نظام العولمة. هذا المفهوم المتطور الذي هدف إلى تغيير منظومة القيم الثقافية والاجتماعية والعادات والتقاليد الموروثة التي تميز الشعوب عن بعضها، واخترقت المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء، كما غيرت جانبا مهما لايمكن إهماله ألا وهو الأسرة.
هذا المفهوم المقدس لحقت به تغيرات وتطورات أدت إلى إكسابه صبغة جديدة ذات قيم جديدة جاءت في محل القيم القديمة التقليدية التي تعرضت للذوبان بسبب صهرها من طرف آليات العولمة، هذا النمط الجديد من الأسرة يطلق عليه إسم الأسرة المُعَولمة.
فما هي الأسرة المعولمة؟ وماهي أوجه الاختلاف بينها وبين الأسرة القديمة؟ وماتأثيرها على الكيان المجتمعي؟
يمكن تعريف الأسرة على أنها نواة المجتمع، فهي المدرسة التي يخلقها أب وأم قرّرا القران والإرتباط والعيش بجانب أولادهما الذين يعتبرون شمعة تضئ حياة الأسرة في كل انحاء المعمورة، ولابد أن لهذا المفهوم ارتباطات بمفاهيم وقيم أخرى كالتربية، والمحبة والاحترام، هذه الركائز تؤسس لمفهوم الأسرة وتضمن استقرارها واستمراريتها ولم شملها.
الطفرة التكنولوجية أظهرت لنا أسرة جديدة تسمى الأسرة المعولمة، والتي يمكن تعريفها على أنها نمط أسري جديد ظهر بعد سيادة النموذج الغربي في العالم النامي، لها خصائص ومميزات تميزها عن الأسرة التقليدية التي كانت تتميز بخصوصية ثقافية واجتماعية متفردة على عكس الأسرة المعولمة التي تتميز بالأحادية والكونية، أحادية لأنها نموذج أسري غربي توسع إلى ما وراء البحار وأذاب الخصوصية القومية لكل الدول، أسسه وخصائصه موحدة لا تختلف من مجتمع إلى أخر، هدفها توحيد العالم في وعاء متجانس، أما الكونية تتجلى في تعميم هذا النوع من الأسرة الذي وصل إلى كل بيوت العالم بفضل امبراطوريات الإعلام والتكنولوجيا التي تجعل النموذج الغربي نموذجا يحتذى به.
التغيرات التي أتت بها الأسرة المعولمة هي تشجيع ثقافة الانعزال، حيث ينعزل الإخوة عن بعضهم البعض والآباء كذلك، كل فرد في غرفته متقوقعا على ذاته وفي النفس الوقت يدخل في ترابط تام مع العالم الافتراضي كمواقع التواصل الاجتماعي لإنجذابه نحو المواد الترفيهية وأفلام الأكشن والمغامرات وقصص الحب والعاطفة والإثاراة.
الأسرة المعولمة أيضا تتميز بتشجيع الإستهلاك، كل الأفراد يستهلكون بإفراط وبدون وعي كل السلع والبضائع لأنه تربت لديهم ثقافة الإستهلاك المفرط واحتقار العمل اليدوي التقليدي والإدخار، هذه القيم التي أقحمتها الرأسمالية الجشعة، غايتها الربح بشتى الوسائل.
ولابد أن نشير إلى أن دور الأب قد تقلص وأصبح أكثر ميوعا وأقل وضوحا، على سبيل المثال الأب تحول دوره من الحامي للأسرة والمدافع عنها والمربي لأولاده إلى عضو يهتم فقط بتوفير المأكل والمشرب والملبس ومواد الترفيه، هكذا أصبح دوره مادي وملموس لاعلاقة له بالروحانيات وهذا له تأثير سلبي على العلاقات بين الأطفال، إذ أنه في غياب مراقبة الأب وتتبعه، يصبح الأطفال أكثر عرضة للانحراف وتعاطي المخدرات ..الخ، أما دور الأم فاقتصر فقط على الطهي لأنها أصبحت تهتم بالمظاهر وكل ما تصرح به مواقع التواصل الإجتماعي، وما هو شكلي وتزييف للواقع.
من هنا يظهر الانحلال في المجتمعات كافة ويصبح هم الشباب والشابات النزوح نحو مركز القرار الذي يسيطر على العالم ومقدراته مما يسهل تدمير الدول النامية والاستيلاء على مواردها الطبيعية، التي تدخل في الصناعات المختلفة، ناهيك عن نهب أموال الدول التي تم تفكيكها مثل ليبيا والعراق والتي يحاولون تدميرها مثل اليمن وسوريا.
وتبقى أهداف الغرب من الأسرة المعولمة هو خلق كيانات تابعة لتغيير ديموغرافية العالم.