المسيرة الخضراء .. الروح الوطنية تتجسد في انخراط تلاميذ المؤسسات التعليمية بقضية الصحراء
في كل عام، ومع حلول شهر نونبر، لا تقتصر احتفالات المسيرة الخضراء المظفرة على استذكار ملحمة تاريخية فحسب، بل تتحول إلى نبض حي يتردد صداه في جنبات المؤسسات التعليمية المغربية. إنها لحظات تجسد أسمى معاني التلاحم الوطني وتؤكد على أن قضية الصحراء المغربية ليست مجرد ملف سياسي أو تاريخي، بل هي جزء لا يتجزأ من هوية ووجدان الأجيال الصاعدة. إن ما نشاهده اليوم في فضاءات المدارس، من أقصى الشمال إلى الأقاليم الجنوبية، هو خير دليل على نجاح المنظومة التربوية في غرس قيم روح المواطنة الحقة والاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن الموحد.
لقد أدركت المدرسة المغربية، باعتبارها الرافعة الأساسية للتنشئة الاجتماعية، الدور المحوري المنوط بها في تحصين الهوية الوطنية. لم تعد قضية الصحراء المغربية تدرس كفصل جامد في مادة التاريخ والجغرافيا، بل تحولت إلى عقيدة وطنية تُغرس في النفوس، وتُروى قصصها بشغف الأجداد.
- إدماج الوحدة الترابية في المناهج: يتم تعزيز المعرفة التاريخية والقانونية للأجيال حول عدالة القضية الوطنية، مدعومة بالوثائق والحجج التي تؤكد مغربية الصحراء.
- الأنشطة الموازية: تنظم مسابقات ثقافية، وعروض فنية، ولوحات مسرحية (يتم فيها إلباس التلاميذ اللباس التقليدي للمسيرة الخضراء) تجسد روح المسيرة، ما يحول الذكرى إلى تجربة حية وفاعلة في تكوين وعي التلميذ.
إن تلاحم التلاميذ مع هذه القضية يتجلى في ردود أفعالهم التلقائية، ورفعهم للعلم الوطني بشموخ، وترديدهم النشيد الوطني بصدق، مؤكدين أن الوحدة الترابية هي ثابت مقدس لا يقبل التنازل أو المساومة.
لا يقتصر دور المؤسسات التعليمية على الشق المعرفي، بل يتجاوزه إلى التربية على الانخراط العملي في الحياة العامة وقضايا الوطن. وتعد احتفالات المسيرة الخضراء مناسبة مثالية لتجسيد ذلك:
- المشاركة الحماسية في الاحتفالات: يشارك التلاميذ في مسيرات رمزية داخل وخارج المؤسسات، حاملين نسخا من القرآن الكريم والعلم الوطني وصورا للمغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، ومرددين شعار: “الله، الوطن، الملك“. هذا المشهد (خاصة مسيرات الأعلام والقرآن الرمزية) يعكس عمق الارتباط الوجداني والروحي بالوطن ورموزه.
- غرس قيم المسؤولية والتضامن: تستلهم من روح المسيرة قيم التضحية، السلمية، والتعبئة، حيث يتعلم التلميذ أن المواطنة ليست حقوقا فقط، بل هي واجبات ومسؤولية تجاه بناء الوطن والدفاع عن مقدساته.
هذا الانخراط الواعي والحماسي يؤكد أن جيل الغد لا يكتفي بالتلقين، بل يعيش المواطنة كسلوك وقيمة راسخة. إنهم اليوم سفراء صغار، يحملون راية الوحدة الترابية داخل فصول الدراسة وخارجها، ويشكلون الجدار المنيع الذي تتحطم عليه كل محاولات التفرقة والنيل من سيادة المغرب ووحدته.
إن المشاهد المفعمة بالوطنية الصادقة التي تخلقها المؤسسات التعليمية، تعد أقوى رسالة يمكن توجيهها للرأي العام الوطني والدولي. فهي رسالة تؤكد أن الرهان على الأجيال الصاعدة قد كسب، وأن تلاميذ المغرب اليوم هم الامتداد الشرعي لملحمة المسيرة الخضراء، وأنهم متشبثون بوطنهم من طنجة إلى الكويرة.
هذه الفئة الشابة الواعية، التي تتسلح بالعلم والمعرفة، هي القوة الضاربة التي ستواصل مسيرة التنمية والدفاع عن الوحدة الترابية، مستلهمة الدروس من تضحيات الأجداد. فلتستمر المؤسسات التعليمية في أداء رسالتها النبيلة، ولنعمل جميعاً على دعم هذا الوعي الوطني العميق، لأن مستقبل الوطن يكمن في قلب وعقل كل تلميذ مغربي.


















