مدرسة البيروني بالقنيطرة… ثلاثة عقود من التعثر تنتهي بالهدم: القصة الكاملة لواحدة من أكبر مشاريع التعليم المجهضة بالمدينة

19 نوفمبر 2025
مدرسة البيروني بالقنيطرة… ثلاثة عقود من التعثر تنتهي بالهدم: القصة الكاملة لواحدة من أكبر مشاريع التعليم المجهضة بالمدينة
العربية.ما - الرباط

بعد ثلاثة عقود من الانتظار، وضعت ساكنة حي الرحمة بالقنيطرة، صباح الثلاثاء الموافق للذكرى 70 لعيد الاستقلال المجيد، نقطة نهاية لواحدة من أكثر البنايات إثارة للجدل بالمدينة، حين شاهدوا الجرافات تهدم الهيكل الإسمنتي المهجور لمدرسة “البيروني”. بنايةٌ تحوّلت، مع مرور السنوات، من مشروع تربوي واعد إلى بؤرة سوداء مهدِّدة للأمن العام، قبل أن تصبح في النهاية عائقاً أمام مشروع تهيئة مرجة الفوارات المصنفة ضمن لائحة “رامسار” العالمية.

هذا الملف، الذي امتد لأزيد من 30 سنة، يكشف الكثير عن اختلالات الحكامة المحلية، ومسارات القرارات التي تتخذ ثم تُترك معلّقة بلا محاسبة ولا تقييم.

من حلم مدرسي إلى ورش متوقف… بداية التعثر (1993 – 1997)

تعود قصة مدرسة البيروني إلى بداية التسعينيات، حين كان حي الرحمة ومنطقة الساكنية يعانيان خصاصاً كبيراً في البنيات التعليمية.

في عهد المجلس البلدي للساكنية برئاسة المرحوم الحاج محمد الشعبي (1992–1997)، تمت برمجة مدرستين: مدرسة البيروني و مدرسة الجولان، ضمن مشروع وطني أشرف عليه وزير التربية الوطنية آنذاك السيد الكنيدري.

الجماعة تكلفت بعملية البناء عبر قروض من صندوق التجهيز الجماعي، وتم إنجاز مدرسة الجولان وافتتاحها فعلاً، بينما ظلت مدرسة البيروني مشروعاً متعثراً، لم تتجاوز فيها الأشغال بناء هيكل إسمنتي فارغ.

ورغم أن أي مشروع بناء يسبق عادة بدراسة تقنية لمكونات التربة (Mécanique des sols)، إلا أنه جرى تبرير توقف الأشغال لاحقاً بوجود “فرشة مائية” أسفل البناء اكتُشفت بعد انطلاق الأشغال؛ وهو تفسيرٌ ظلّ إلى اليوم مثار تساؤلات.

اختفاء الميزانية… أين اختفت الموارد؟

تدوينة حسن آيت بلا أعادت تسليط الضوء على الجزء الأكثر غموضا في هذه القضية.

فحسب ما ذكره، فقد عهدت جماعة الساكنية إلى أحد الأعضاء مهمة الإشراف على إنجاز المشروع، ليتم “استنفاد كل الاعتمادات المالية دون إتمام المدرسة”.

المسؤول عن المشروع برّر فشل الإنجاز بـ”أسباب تقنية”، في حين أن الدراسات التقنية ملزمة قبل أي بناء، ما يجعل الرواية غير مقنعة ويطرح سؤالاً مركزياً:

أين اختفت ميزانية البناء؟ ولماذا لم يُفتح تحقيق رغم حجم الاختلال؟

الأدهى أن أبناء المنطقة ظلوا يعانون الاكتظاظ والغياب المستمر للبنيات المدرسية، في الوقت الذي كان أحد المسؤولين المتورطين يحصل على مناصب تمثيلية داخل المجلس الإداري للأكاديمية.

من مشروع متعثر إلى بؤرة سوداء… “أوطيل العريان”

بمرور السنوات، تحولت البناية من مجرد ورش متوقف إلى مأوى للمنحرفين والمجرمين والمتعاطين للمخدرات.

السكان أطلقوا عليها لقب “أوطيل العريان” نظراً للمظاهر المخجلة التي كانت تقع داخل جدرانها.

شكايات السكان انهالت على السلطات المحلية والمجالس المنتخبة، وطالب المجتمع المدني مراراً بتدخل عاجل.

تراكم النفايات، الدعارة، التحرش، استهلاك وبيع المخدرات، انتشار الجريمة… كلها تحولت إلى جزء من يوميات السكان.

وفي هذا السياق، وجّه النائب البرلماني مصطفى ابراهيمي سؤالاً كتابياً لوزير الداخلية، مستنكراً الوضع الذي “أصبح لا يُطاق”، ومطالباً بتدخل فوري لإخلاء البناية من الغرباء والمنحرفين واستعادة الأمن.

مرجة الفوارات… بؤرة مهجورة تعيق مشروعاً بيئياً عالمياً

مع توسع مشروع تهيئة مرجة الفوارات—المسجلة ضمن لائحة “رامسار” للمناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية—برزت بناية البيروني المهجورة كعائق أمام تقدم الأشغال، خاصة أنها تقع في محيط بيئي حساس.

هذا العامل الإضافي أعاد الملف إلى الواجهة، ودفع السلطات إلى تسريع التنسيق بين السلطات الإقليمية، السلطات المحلية، المجلس الجماعي، المديرية الإقليمية للتربية الوطني، ليصدر القرار النهائي: الهدم الكامل للمبنى.

اليوم المنتظر… لحظة السقوط

في صباح يوم الثلاثاء، بحضور عناصر السلطة والقوات العمومية والآليات الثقيلة، بدأت عملية الهدم التي تابعها سكان المنطقة بارتياح كبير.

كانت لحظة رمزية، ليس فقط لتخلصهم من خطر دائم، بل لأنهم شعروا للمرة الأولى أن صوتهم وصل بعد سنوات من الصمت.

السكان عبروا عن سعادتهم، واعتبروا العملية خطوة إيجابية نحو إعادة تأهيل المنطقة وتحسين المشهد العام وتعزيز الأمن.

لكن السؤال الكبير يبقى: أين المحاسبة؟

رغم أن الهدم أنهى كابوسا يوميا، إلا أنه لا يلغي الأسئلة الثقيلة التي ظلت معلّقة:

من المسؤول عن فشل المشروع منذ 1993؟

لماذا لم تُفتح أي تحقيقات رغم ضياع الاعتمادات المالية؟

ما مصير التقرير الذي كان يفترض أن تنجزه المفتشية العامة لوزارة التربية الوطنية؟

هذه الأسئلة اليوم هي التي يطرحها السكان والفاعلون المحليون… لأن الهدم يُنهي البناية، لكنه لا يمحو آثار سوء التدبير الذي دام ثلاثة عقود.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.