شهدت بلادنا منذ سنوات تحولات جذرية من أجل التنزيل الفعلي لمخرجات النموذج التنموي الذي رسم معالم التنمية الشاملة بين مقتضياته وتضمن مقومات نهضة اقتصادية داخل توصياته و مضامينه، حيث توخى تقوية آليات التدبير العمومي على اعتبار موقعها في تنزيل السياسات وأهميتها في تسهيل البرامج والمخططات، وخدمة لهذا التوجه تم اعتماد أساليب جديدة لتدبير المرافق العمومية تتجلى أساسا في الشركات العمومية، فقد تم توظيفها على المستوى الجهوي والمحلي، سميت بشركات التنمية الجهوية أو الإقليمية أو المحلية.
لننتقل إلى شركات جهوية متعددة الخدمات والتي تم إحداثها لرفع من جودة الإستفادة من الخدمات العمومية الحيوية على غرار الماء والكهرباء وتطهير السائل والإنارة العمومية.
نص عليها القانون 83.21 الذي أرسى قواعد تنظيم هذه الشركات و تضمن الكثير من المستجدات، التي كرست التدبير الجهوي كخيار لا محيد عنه في إتخاذ القرارات والتوقيع على أحد أهم المحطات في مسار الجهوية المتقدمة.
مما يسألنا عن الدور الذي ستلعبه هذه الشركات في المساهمة في كسب رهان التنمية الترابية في المستقبل المنظور؟
في مستهل الحديث يجب التأكيد على أن تدبير المرافق العمومية بالإعتماد على أسلوب الشركات جاء في سياق إصلاح عميق يشهده القطاع العام توج بدخول القانون الإطار 50 .21 الخاص بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية حيز التنفيذ، فضلا عن ما يوفره هذا النمط من سلاسة في التنزيل و سهولة في التفعيل، إلا أن الرهان الأبرز يظل دائما تحقيق التنمية الترابية كهدف تضمنته مقتضيات الوثيقة الدستورية الصادرة سنة 2011 و مطمح للمؤسسة الملكية ومن خلفها الهيئات العمومية لاسيما تلك المدبرة للشأن المحلي، حيث سيمكن القانون 83.21 حال تنزيله بشكل الأمثل من إنهاء الإحتكار الأجني لتدبير مرافق الماء والكهرباء خاصة في المدن الكبرى، والإعتماد على الكفاءات المغربية والشركات الوطنية في مختلف عمليات التوزيع والإنتاج والنقل وإستيفاء رسوم الإستهلاك، مما سيسهم في حضور الخبرات الوطنية في شتى المجالات و مراكمة التجربة على مستوى عدة قطاعات، إلى جانب الدفع بعجلة التنمية المحلية عبر تشغيل أبناء الجهات والمناطق المتواجدة بها الشركات والمساعدة على خفض معدلات البطالة وتحسين مستوى المعيشة.
غير أن التحدي الأبرز الذي يواجه هذه الشركات يتجلى في الفعالية في توزيع الخدمات والنجاعة في التجاوب مع الصعوبات في إنتظار تعميمها على مختلف الجهات كما تطرح تساؤلات كثيرة حول مساهمة القطاع الخاص في رأسمال هذه الشركات ومدى تأثيره على الكلفة المستقبلية للخدمات المذكورة؟