لم أكن أتوقع أن تتحول الصحافة المحلية بمدينة بوجدور، التي كانت تُقدّم نفسها دائمًا كمدافع عن حقوق المواطنين، إلى مجرد صدى فارغ، يساير مصالح الفاسدين ويصمت أمام قضايا حيوية تمس حياة الناس. في ظل الأزمات الحالية، خاصة ملف تموين مخيمات الوحدة ببوجدور، نرى أن الأقلام المحلية التي يفترض بها أن تكون منبراً للرأي والحق، أصبحت صماء تمامًا.
فقد حوّلت بعض الأسماء التي تدّعي الانتماء لمهنة الصحافة، أدواتها لخدمة مصالح شخصيات ومجموعات معينة، لتظل تائهة بين دروب الفساد والمساومة. وتكررت الشهادات عن تورط هؤلاء الصحفيين في صفقات مشبوهة، يتلقون مقابلها دريهمات زهيدة، ليتحولوا إلى وسطاء بدل أن يكونوا شاهدين على الحقيقة. لكن الأمر المثير للدهشة هو أنه لا أحد يحاسبهم على هذا السقوط الأخلاقي الذي يعصف بمصداقية المهنة.
وقد أكد لي أحد المصادر، أن أحد أبناء عائلة “سي مربوح” قد حصل على البطاقة المهنية للصحافة بعد دفع مبلغ قدره 20,000 درهم لأحد الوسطاء في عملية لا تخلو من الشبهات. فكيف يمكن لأي صحفي أن يتحدث عن أخلاقيات مهنته بعد أن اشترى بطاقة الانتماء لهذه المهنة بثمن؟ أليس هذا تهديدًا فاضحًا لسمعة الصحافة المحلية؟
اليوم، نشهد الصحافة المحلية في بوجدور وقد تحولت إلى مجرد أداة للصمت أمام قضايا ساخنة، وخصوصًا تلك المتعلقة بملف تموين مخيمات الوحدة الذي يتطلب تحليلاً معمقًا ونقدًا بناء. بدلاً من أن تكون الصحافة قوة للتغيير، أصبحت أدوات لترويج الإشاعات أو الدفاع عن مصالح فئة معينة، حتى وإن كانت على حساب الفقراء والمحتاجين.
إن هذه الممارسات لا تمثل انحرافًا فرديًا، بل تشير إلى غياب منظومة رقابية، وتؤكد أن هناك ضعفًا في المساءلة على مستوى الإعلام المحلي. فهل ما زالت الصحافة تتمتع بالشرف؟ أم أن الأقلام قد تحولت إلى وسطاء رخيصين بدلاً من أن تكون صوتًا للحق؟
إن الصحافة لا يمكن أن تكون وساطة أو سوقًا للمتاجرة بالمواقف. الصحافة هي ضمير الأمة، وهي وسيلة للكشف عن الحقيقة ونقد الواقع بعين فاحصة، بعيدًا عن المصالح الضيقة. نحتاج إلى صحافة تعود لمهامها الحقيقية، لا أن تتحول إلى أدوات في أيدي الناس من يتاجرون بالكلمة والضمير.
هل سيستمر السكوت عن هذه التجاوزات؟ أم سيأخذ الصحافيون المحليون على عاتقهم مسؤولياتهم في تقديم الحقيقة مهما كانت قاسية؟ الوقت كفيل بأن يُظهر من سيبقى في صف الحقيقة، ومن سينحني أمام العواصف السياسية والمالية.