السويد، البلد الذي لطالما اشتهر بحياده ورفاهيته الاجتماعية، يجد نفسه اليوم في دوامة سياسية تعصف بتقاليده الراسخة. فمن بلد يُعرف بسلامه واستقراره، أصبحت السويد ساحة لتصاعد الجريمة المنظمة، وسط تنامي الخطاب العنصري والشعارات المعادية للمهاجرين. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، يدعو المسؤولون الحكوميون المواطنين إلى الاستعداد لإجراءات الدفاع المدني في مواجهة احتمالات اندلاع حرب نووية، وكأن هذا البلد الإسكندنافي قد جن جنونه.
ومن أبرز مظاهر هذا التغير الجذري، كانت صورة ولية العهد وهي ترتدي الزي العسكري، في خطوة لم تكن موفقة على الإطلاق، حتى وإن كانت جزءاً من تدريبها العسكري الضروري. هذه الصورة ترمز إلى ما يبدو أنه انحراف السويد عن مسارها المعتاد، خاصة في ظل تلويح الحكومة بقوانين تشجع على “الهجرة المعاكسة”، وهو توجه يثير العديد من التساؤلات حول الحكمة من هذه السياسات في بلد يعاني أصلاً من نقص في الأيدي العاملة.
وفي خضم هذه التحولات، جاء اقتراح قانون يجرم حرق الكتب الدينية المقدسة كخطوة إيجابية، لكن بعد فوات الأوان. فالمسلمون في السويد، الذين أصيبوا بصدمة عندما رأوا الشرطة تحمي عمليات حرق المصحف الكريم، يشعرون الآن بأنهم مستهدفون بالكراهية، مما يهدد بعزلهم كمواطنين من الدرجة الثانية. ومع ارتفاع أصوات الأحزاب اليمينية الداعية إلى “العودة الطوعية” للمهاجرين، بدأ العديد من هؤلاء بمغادرة السويد بالفعل، هرباً من مناخ بارد اجتماعياً كما هو مناخياً.
لكن الأخطر من كل ذلك، هو ما يبدو أنه استعداد السويد لخوض حرب جديدة، بعدما قررت الانضمام إلى حلف الناتو، في خطوة غير مسبوقة تثير العديد من التساؤلات حول الحكمة من التخلي عن الحياد الذي خدم البلاد طويلاً. ففي ذروة الحرب الباردة، اختارت السويد الحفاظ على حيادها، وهو موقف كان مفيداً للجميع. أما الآن، فقد تجد السويد نفسها مضطرة للانخراط في صراعات لا طائل منها، في وقت تحتاج فيه إلى التركيز على مشكلاتها الداخلية المتفاقمة.
فما حدث في السويد ليس مجرد تغيير سياسي عابر، بل هو انعكاس لصعود غير مسبوق للأحزاب اليمينية المتطرفة، التي استغلت الفراغ القيادي في الأحزاب التقليدية. هذه الأحزاب، التي تفتقر إلى الرؤية التاريخية، تسعى لفرض أجندتها الخاصة، مدمجة بين حربها على المهاجرين وحربها على روسيا، وكأنهما معركة واحدة.
لكن الشعب السويدي، المعروف بتمسكه بالرفاهية الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية، لن يترك هذه التجربة تمر دون مقاومة. فالمهاجرون والسويديون الأصليون على حد سواء، لن يسمحوا بتحويل بلادهم إلى ساحة حرب جديدة أوإلى مجتمع منغلق على ذاته..، وإن كانت التجربة السويدية ما زالت في طور التشكيل، لكن المؤكد أن السويديين لن يتخلوا بسهولة عن مكتسباتهم التي حققوها عبر عقود من السلام والتسامح.